دعونا لا نمنحهم انتصارًا مجانيًا

الرئيس الاميركي دونالد ترامب
الرئيس الاميركي دونالد ترامب


في عالم السياسة والإعلام، ليس كل ما يقال حقيقيًا، وليس كل تهديد يعني بالضرورة أنه قابل للتنفيذ. بعض التصريحات تهدف إلى الترويع، وبعضها الآخر يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي، بحيث تتحول الأفكار غير القابلة للتطبيق إلى مواضيع نقاش "مشروعة".

ما يفعله ترامب ونتنياهو اليوم ليس مجرد تهديدات عبثية، بل هو تكتيك مدروس يعتمد على إغراق الرأي العام بسيل من التصريحات المتضاربة، لجعل المستحيل يبدو ممكنًا، ولتحويل الجرائم غير القابلة للنقاش إلى "سيناريوهات سياسية". إذًا، كيف نتصدى لهذا الأسلوب؟ كيف نحافظ على الوعي العام دون أن ننجر إلى الفخاخ الإعلامية؟

كيف نمنع الوهم أن يصبح واقعًا؟

 اولا -  نرفض المشاركة في لعبة "الأمر الواقع"

  كلما أُعيد تكرار فكرة ما، تصبح مألوفة، حتى وإن كانت غير قابلة للتنفيذ. هذا ما يعرف بـ"تصنيع القبول" (Manufacturing Consent). حين يتم الحديث عن تهجير الفلسطينيين بشكل متكرر، حتى لو كان ذلك على سبيل النفي أو الاستنكار، فإن مجرد تناول الموضوع يجعله يبدو وكأنه احتمال ضمن عدة احتمالات.

ما الذي علينا فعله ؟

• رفض الخوض في نقاشات تحاول تقديم "التهجير" كخيار سياسي حتى ولو كان الهدف مهاجمته.

• إعادة التركيز على الحقيقة الجوهرية: إسرائيل فشلت عسكريًا في غزة، وكل هذه التصريحات تهدف إلى صرف الأنظار عن ذلك الفشل.

• كشف أسلوب الخداع بدلًا من الانشغال بالرد على تفاصيل السيناريوهات الوهمية.

ثانيا _ تحويل النقاش إلى نقاط القوة بدلًا من مواقع الدفاع

يهدف سيل التصريحات إلى وضع الخصوم في موقف دفاعي، بحيث ينشغلون برد الفعل بدلًا من التحرك الفاعل. مثلًا، عندما تُطرح فكرة تهجير الفلسطينيين، يصبح السؤال المتداول: "إلى أين سيذهبون؟"، بدلًا من السؤال الأهم: "لماذا تستمر إسرائيل في ارتكاب جرائمها؟".

كيف نقوم بذلك ؟

• إعادة توجيه الحديث إلى القضايا الجوهرية: العدوان على غزة، الجرائم الإسرائيلية، فشل الاحتلال.

• استخدام تكتيك "قلب الطاولة": بدلًا من الرد على كل تصريح، يتم التركيز على كشف الأهداف الخفية وراءها.

• الضغط الإعلامي والدبلوماسي لحصر إسرائيل في الزاوية، وإبقائها تحت المساءلة الدولية.

ثالثا_  القيام بتحطيم استراتيجية "الدخان والمرايا"

تعتمد إسرائيل وأتباعها على خلق ضجيج إعلامي حول قضايا وهمية لصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية. هذه الاستراتيجية تُعرف باسم "الدخان والمرايا" (Smoke and Mirrors)، حيث يتم افتعال أزمات إعلامية جانبية لتمرير مخططات أخرى.

وبذلك يتوجب علينا

• عدم الانشغال بكل تصريح يخرج من ترامب أو نتنياهو، بل التركيز على الأفعال على الأرض.

• تمييز القضايا الحقيقية من القضايا الوهمية، وعدم السماح للضجيج أن يطغى على الحقائق.

• التعامل بحذر مع وسائل الإعلام الغربية، التي تلعب دورًا في تضخيم الرواية الإسرائيلية.

 رابعا_ فضح "إغراق الساحة" والتشويش الإعلامي

أحد أخطر الأساليب المستخدمة هو "إغراق الساحة" (Flood the Zone)، أي نشر كمية هائلة من التصريحات والمعلومات المضللة بحيث يصبح من الصعب تمييز الحقيقة من الكذب.

ما العمل في هذه الحالة ؟

• التركيز على المعلومات الموثوقة وعدم الانجراف خلف سيل الأخبار المتضاربة.

• بناء رواية إعلامية مضادة تستند إلى الحقائق، وتكون قادرة على الصمود في وجه الدعاية الكاذبة.

• دعم الإعلام المستقل، وإنتاج محتوى مدروس يفضح التضليل الإعلامي الإسرائيلي.

خامسا _  تحويل التهديدات إلى فرص لتعزيز الموقف الفلسطيني والعربي

في كل تهديد هناك فرصة لتقوية الموقف العربي والفلسطيني، سواء عبر فضح جرائم الاحتلال أو عبر توحيد الصفوف ضد المشروع الصهيوني.

كيف يكون ذلك؟

• استثمار التصريحات العدوانية في توحيد الجهود الدبلوماسية ضد إسرائيل.

• تكثيف الضغط الدولي لعزل إسرائيل سياسيًا وإعلاميًا.

• تعزيز الوعي الشعبي بخطورة هذه الحرب الإعلامية، حتى لا يصبح الناس ضحايا التلاعب النفسي.

دعونا لا نمنحنهم انتصارات مجانية ولنركز على ما يفيد ..

فالتهديدات ليست خططًا، بل أدوات ضغط نفسي وإعلامي. المطلوب ليس فقط رفضها، بل فضح الهدف الحقيقي من ورائها. لا يجب السماح لنتنياهو وترامب أن يخلقا وهمًا جديدًا يصبح مع الوقت "واقعًا سياسيًا مقبولًا". المواجهة لا تكون فقط بالرد على التهديدات، بل بتفكيك الأساليب التي يتم استخدامها لإطلاق هذه التهديدات من الأساس.

الحقيقة واضحة: إسرائيل فشلت، ومهما حاولت تضليل الرأي العام، فإن الواقع على الأرض لن يتغير بمجرد التصريحات. المطلوب اليوم هو الوعي العميق بهذه الحرب الإعلامية، والتعامل معها بذكاء، حتى لا نسمح لهم بتحويل المستحيل إلى "خيار مطروح للنقاش".