شهد العالم بأسره مشاهد تبادل الأسيرات من غزة، التي كانت بمثابة صدمة هزت الكيان الإسرائيلي بأكمله. هذا المشهد لم يكن مجرد عملية تحرير عادية، بل كان عرضًا مسرحيًا متقنًا يعكس عمق التخطيط والحنكة السياسية التي تتمتع بها حركة حماس. وقد علقت المخرجة الإسرائيلية عينات فايتسمان على مراسم الإفراج عن الأسيرات المجندات بقولها: "يا للإخراج! الديكورات، الملابس، الإعداد المسرحي.. هكذا يتم إخراج الانتصار المطلق". ومن هذا التصريح يتضح أن المشهد لم يكن مجرد تبادل أسرى، بل كان رسالة واضحة تُظهر عبقرية حماس في إدارة المعركة على جميع الأصعدة.
الإخراج المسرحي والانتصار النفسي
الإعداد الدقيق لمراسم التسليم كان شاهداً على عقلية قيادية دخلت المعركة وهي واثقة من النصر. فالديكورات المصممة بعناية، والملابس التي أُلبست للأسيرات، والإعداد المسرحي المتقن، جميعها عكست انتصارًا نفسيًا ومعنويًا على الاحتلال الإسرائيلي.
ومن أكثر المشاهد التي أثارت غضب الإسرائيليين كان ظهور الأسيرات الإسرائيليات وهن يرتدين زيًا عسكريًا، وصعودهن إلى المنصة حيث قدمن التحية للسجانين والجماهير. خلفهن كانت العبارة الواضحة: "انتصار المظلومين على الصهيونازية"، بينما كان مجاهدو كتائب القسام يقفون حاملين بنادق "التافور" الإسرائيلية التي غنموها خلال المعارك. هذه التفاصيل الصغيرة لكنها رمزية كشفت عن حجم الفجوة بين الاحتلال والمقاومة.
حماس وإدارة المعركة بحنكة
تظهر هذه العملية كيف أن حماس، من خلال هذا التنسيق المحكم، أثبتت قدرتها على إدارة المعركة والتفاوض بذكاء استثنائي. كل خطوة كانت محسوبة بدقة، وكل تفصيل كان جزءًا من استراتيجية إعلامية وسياسية تستهدف إيصال رسالة واضحة: المقاومة ليست فقط قوة عسكرية، بل هي أيضًا قوة أخلاقية قادرة على التفوق في جميع المجالات.
الأسيرات خرجن مبتسمات، في صحة جيدة، يحملن شهادات الإفراج وهدايا رمزية، ويلقين التحية على الجمهور. هذه المشاهد كانت صدمة أخلاقية وسياسية للاحتلال الذي عُرف بتعامله الوحشي مع الأسرى الفلسطينيين. ففي الوقت الذي تظهر فيه ممارسات الاحتلال القائمة على التعذيب والإهانة، قدمت المقاومة نموذجًا مغايرًا تمامًا، ينطلق من قيم الإسلام ومبادئه السمحة.
الانتصار الأخلاقي والإنساني
الفرق الجوهري بين نهج المقاومة ونهج الاحتلال يكمن في البعد الأخلاقي. المقاومة، التي تعتمد في تعاملها مع الأسرى على قيم الرحمة والإنسانية، استطاعت أن تنتصر أخلاقيًا على الاحتلال الإسرائيلي الذي يتسم بالوحشية والسادية في تعامله مع الأسرى الفلسطينيين.
لقد أرسلت حماس رسالة للعالم أجمع بأن المقاومة ليست مجرد قتال وحمل سلاح، بل هي أيضًا مشروع إنساني وأخلاقي يسعى لتحقيق العدل ونصرة المظلومين. إن مشهد الإفراج عن الأسيرات، بما حمله من رمزية وإعداد محكم، جسّد هذا الانتصار الأخلاقي بامتياز.
عملية تبادل الأسيرات ليست فقط شهادة على قدرة حماس العسكرية والسياسية، بل هي أيضًا دليل قاطع على تفوقها الأخلاقي والإنساني. هذا التفوق هو ما يجعل المقاومة الفلسطينية نموذجًا عالميًا في الجمع بين القوة والرحمة، وبين الحزم والإنسانية. ومن خلال هذا الإنجاز، أثبتت حماس أن القيم والمبادئ يمكن أن تكون أساسًا لتحقيق النصر، حتى في مواجهة أعتى القوى العسكرية في العالم.