احتفل السوريون مسيحيون ومسلمون بعيد الميلاد المجيد، ولأول مرة رأينا أشجار عيد الميلاد موشحة بعلم الثورة، ومضاءة بالأنوار في كل ساحات المدن السورية. وهذه الصورة، وهذا التلاحم بين أطياف الشعب السوري هي أجمل صورة تعكس واقع ميلاد سوريا الجديد، بين الأمس واليوم، فبالأمس كان نظام الأسد الفار يعزف على وتر الطائفية، وإحداث شروخ عميقة في جسد الشعب السوري الذي انتفض وقال كلمته:"واحد، واحد، واحد الشعب السوري واحد". هذه الثورة التي تثبت اليوم للقاصي والداني، للحاقدين والمؤيدين، للمتربصين شرا سرا، والمتآمرين السابقين الداعمين لبشار الفار على الشعب السوري، أن هذا الشعب أوعى وأسمى وأعقل مما كان يتصور المتربصين، والمشككين، والمتخوفين. فتاريخ هذا الشعب يشهد على أنه كان دائما متلاحما ولا يفرق بين عربي وكردي أو تركماني وشركسي وأرمني، ولا بين مسلم ومسيحي، أو أي مكون ديني أو عرقي. والأدلة على ذلك كثيرة، فسوريا الاستقلال في العام 1946 كان الزعيم القدير فارس الخوري المسيحي رئيس وزراء سوريا، وليس فقط هذا المنصب بل تبوأ منصب وزير الأوقاف الإسلامية وبتأييد حتى من نواب الإخوان المسلمين في البرلمان المنتخب. أما سعيد إسحق المسيحي فقد تبوأ رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، ففي عام 1949 تم انتخابه كمراقب للجمعية التأسيسية والتي تحولت فيما بعد إلى مجلس نواب، في أكتوبر 1951 انتخب كنائب لرئيس مجلس النواب. وعندما نفذ الجيش انقلابه برئاسة حسني الزعيم في 29 نوفمبر 1951، قام رئيس الحكومة بتقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية، وبعدها قام رئيس الجمهورية بتقديم استقالته للنائب الأول لرئيس مجلس النواب –الذي هو سعيد اسحق- وذاك لأن رئيس مجلس النواب كان تحت الاعتقال. أصدر العقيد الشيشكلي أول بلاغ له، وتضمن حل مجلس النواب وبموجب المادة رقم 87 من الدستور السوري –آنذاك-، ومفادها إن رئيس مجلس النواب يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي حالة الوفاة او الاستقالة ينتخب مجلس النواب رئيسًا جديدًا، أما إذا كان مجاس النواب منحلًا أو تبقى شهرين على نهاية مدته فرئيس المجلس يستمر في صلاحياته المذكورة. وهذا مثال آخر على عقلية التآخي والتلاحم، وأن السوريين كانوا ولا يزالون ينبذون الطائفية والعرقية، فالأكراد تبوؤا مناصب عديدة في أجهزة الدولة من رؤساء جمهورية (الزعيم، الحناوي، الشيشكلي)، ورؤساء وزراء(الأيوبي)، ورؤساء أحزاب (بكداش)، وفي مناصب في الجيش السوري، وكذلك الأمر بالنسبة للدروز، والاسماعليين، والعلويين، وهذا غيض من فيض، اليوم تطوي سوريا صفحة من أقتم صفحات تاريخها، وتتطلع إلى المستقبل بمشاركة فعالة من كل أطياف الشعب السوري. وتقول لكل المتربصين، والمتأمرين، والخائنين، وفلول العهد البائد، الطامحين في تقسيم سوريا، وبث الفتنة، ستبوء كل محاولاتكم بالفشل.