صيدنايا، عدرا، حمص العسكري، حماة، فرع فلسطين، تدمر، فرع المخابرات العسكرية 291، المخابرات الجوية، المزة. هذه الأسماء وعشرات السجون الأخرى التي ليس لها أسماء سوى "سري للغاية" لن تغيب عن ذاكرة السوريين، لأنها تختزن ذكريات الألم، والدموع، والضياع، والتعذيب الوحشي، والاختفاء. كل هذه الأسماء تختصر باسم واحد: المسالخ البشرية. إلى هذه الأمكنة كان يساق السوريون كالنعاج إلى المسالخ، لكن الفرق بين النعاج التي تذبح، والسوريين في هذه المسالخ أن السوري قبل ذبحه كان يذوق ويلات العذاب، والتجويع، والإهانة، والاغتصاب. نصف قرن ونيف من حكم الطاغيتين الوحشيتين كان الهم الوحيد في سلوكهما اختراع أساليب السيطرة على شعب يأبى الظلم ويتطلع للحرية والتقدم. وليس التطلع للمستقبل، والتطور، ورفع مستوى التعليم، وازدهار سوريا، وبناء بنية تحتية متطورة، كان التفكير فقط في استمرارية حكم عائلة الوحش البهرزي "للأبد"، فنشر أجهزة المخابرات في كل مكان مع تعميم رئاسي: اقتلوا ما شئتم أن تقتلوا، واسجنوا ما شئتم أن تسجنوا، وهجروا ما استطعتم كل من يقول: "لا". وكل من يطالب بالحرية. فهؤلاء جميعا نضعهم في خانة "الإرهاب"، و"التآمر على الدولة"، "وإثارة النعرات الطائفية". لم يوجد معتقل واحد لم يجبر تحت التعذيب على الاعتراف القسري بإحدى هذه التهم ليحال إلى غرف الموت.. لكن العائلة الوحشية من حافظ، ورفعت، وبشار، وماهر، ومن لف لفيفهم لم تحسب حساب قوة هذا الشعب وإرادته وتصميمه على الانعتاق من الظلم. حتى جاء يوم الثامن من كانون الأول، يوم النصر المؤزر على العائلة وكل نظام البعث المشارك في تدمير سوريا ليكشف الحقائق شيئا فشيئا بعد أن فر بشار تاركا خلفه كل زبانيته الذين فروا بعده كالجرذان، وفتحت المسالخ البشرية وحرر ما تبقى من المعذبين على قيد الحياة، وخرجت صور أجهزة التعذيب، والمشانق، وغرف الملح، والأقبية الرطبة العفنة، والوثائق التي تثبت جرائم الوحوش، واليوم تتكشف الحقائق عن المقابر الجماعية التي دفنت فيها جثث مئات الآلاف من السوريين، في القطيفة وسواها، فالحقائق الدامغة على جرائم الحرب، وضد الإنسانية، التي فاقت أفعال النازيين لابد أن يحاكم ويحاسب عليها كل من لطخت أيديه بدماء السوريين، وعلى رأسهم آل الوحش البهرزي. وهذه الوثائق يجب ان تحفظ للتاريخ، تاريخ نصف قرن ونيف من الظلم والتعسف والفساد والطائفية، واحتقار الإنسان السوري وإذلاله. لقد انتهى حكم الطغاة واليوم على الشعب السوري أن ينهض من الكابوس المرعب، ويتطلع إلى مستقبل مشرق، مستقبل سورية كدولة ديمقراطية، مؤسساتية، تضمن الحريات وتحترم القانون، وكلنا ثقة بهذا الشعب العظيم، و"سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد" كما قالتها الراحلة العظيمة مي سكاف.