ثورة كرامة ... وجيل يبحث عن هوية

من أطفال الثورة السورية
من أطفال الثورة السورية

عن موقع الجزيرة نت                                 

في مثل هذا اليوم أتمت الثورة السورية عامها الثالث عشر، فمنذ عام 2011 حتى يومنا هذا مازالت هتافات العديد من المدن السورية تصدح بطلب رحيل رأس النظام السوري وتطالب بالحرية والكرامة.

رغم قساوة السنوات الماضية التي مرت على الشعب السوري من قتل وتشريد وتعذيب وتجويع، إلا أن تلك الأحداث لم تسمح لهذه الثورة بأن تشيخ، فقد ولدت الثورة يتيمة، لم يكن لها عرّاب، لذلك كل من حاول مد يد العون لها نصّب نفسه عرّاباً، فكثر العرّابون واحترق المبتغى، كانت ثورة عفوية وشفافة، لذلك باتت لقمة سائغة لنظام متمرّس بالوحشية والإجرام.

لم يستطع عرّابوها حمايتها من براثن هذا الوحش، ولم يكتف هذا الوحش وحده بالانقضاض على هذه اليتيمة فدعا حلفاءه لتصبح وليمة على مائدة ذئاب بشرية.

لم تستسلم الثورة اليتيمة بل قاومت وناضلت، دُمرِت مدنها فوق سكانها، شُرِّد الملايين من مواطنيها، واعتُقل مئات الآلاف وتوفي معظمهم تحت التعذيب، وارتوت أرض سوريا بدماء أبنائها وبقيت الثورة صامدة و مستمرة.

هذه لمحة عن ثورة "سوريا العظيمة" _كما لقبتها أحد أيقوناتها الفنانة الراحلة مي سكاف_

ثورةٌ سطرها أطفال بعمر الزهور، ودفع ثمنها شعب بأكمله.

لم تكن كسائر الثورات، فلم يشهد التاريخ شعباً يثور بحمل الورود من أجل كرامته، لذا سميت بــــ "ثورة الكرامة" لأن الشعب رفض الذل والمهانة وطالب بالحرية والكرامة.

الورود التي حملها الثوار في الشهور الأولى من الثورة، قوبلت بالنار والرصاص من قِبل قوات بشار الأسد، و كل جندي خالف أوامر قتل الثوار، تم قتله مباشرة من الخلف.

الممارسات الوحشية من قِبل النظام السوري على الشعب

لم يتوقف النظام حتى اليوم عن الاعتقالات والتعذيب على مجرد الاشتباه بخروج الشخص بمظاهرة أو ساعد جريح أو كتب كلمة على وسائل التواصل الاجتماعي "ملمّحاً" لظلم هذا النظام، بل طالت يداه كل من تعاطف مع شهداء وضحايا الثورة.. حتى بالصمت.

وإجرام الأسد لم يقتصر على البشر فقط، بل حتى الحجر لم يسلم منه، فكلنا نعلم حجم الدمار الذي لحِق بالمدن السورية، نتيجة القصف المستمر من قِبل النظام السوري و حليفه الروسي على الأبنية السكنية بسكانها على مدار ثلاثة عشر عاماً، و وصل الاجرام به لاستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً على بعض البلدات السورية.

لم يكتف النظام بكل تلك الوسائل الوحشية لقمع هذه الثورة، بل هجّر الملايين من الشعب السوري، وتسبب بمجاعات وأزمات إنسانية واقتصادية في مختلف المناطق السورية.

إفرازات جرائم النظام وانعكاسها على الشعب السوري والدولة السورية

جميع الأحداث السابقة تعايش معها الشعب السوري مكرهاً ومتألماً ومفجوعاً، ولكن هذه الأحداث أفرزت الكثير من القضايا، كالتغيير الديموغرافي الذي حل في الدولة السورية والذي ألقى بظلاله على المناطق المجاورة، والاستيلاء على أملاك السوريين وبيعها للايرانيين لتوطينهم، وتنصيب المسؤولين الايرانيين على بعض مؤسسات "الدولة السورية"، وتوقيع النظام السوري على العديد من الصفقات التي يتم من خلالها التنازل عن ممتلكات الدولة وخيراتها لصالحه الشخصي والعائلي، والعديد من القضايا الخطرة على مستقبل سوريا التي ظهرت نتائجها المدمرة اليوم وحتى بعد سقوط هذا النظام، وعلى رأسها قضية أطفال سوريا.

هذه القضية وحدها تندرج تحتها العديد من القضايا التي تتعلق بأطفال سوريا.

معاناة أطفال سوريا

الأطفال التي أطلقت شرارة الثورة السورية، هم أكثر فئة دفعت الثمن، بدايةً من اعتقالهم وتعذيبهم من قِبل قوات الأمن السياسي على خلفية كتابتهم على الحائط "إجاك الدور يا دكتور" العبارة التي أطلقت الشرارة وفجرت بركان الغضب الشعبي الصابر على ديكتاتورية النظام وإجرامه من عهد الأب إلى الإبن.

فلا يغيب عن أذهاننا مافعله النظام السوري بحمزة الخطيب وتامر الشرعي وطرق التعذيب اللا إنسانية التي شوهت أجسادهم كقطع العضو الذكري كما حدث لحمزة واستخدام المثقب الكهربائي لتثقيب أجسادهم موثقة بصور أشعة لجثمان الطفل تامر.

لم ينحصر الاعتقال والتعذيب خلال الثلاثة عشر عاماً على أطفال قاموا بفعلٍ ما، فهناك عشرات الآلاف من الأطفال لا ذنب لهم، بل اشتباه بآبائهم أو أمهاتهم لربما قاموا بمساعدة جريح أو تعاطفوا مع ضحية، ومنهم أطفال بالسنين الاولى من أعمارهم، والدكتورة رانيا العباسي بطلة سوريا والعرب في الشطرنج، كانت مثالاً واضحاً، حيث داهمت قوات الأمن السورية منزلها بالعاصمة دمشق عام 2013 واعتقلتها مع ستة من أطفالها، أعمارهم بين 4 و 13 عاماً، و مازال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.

معاناة أطفال سوريا لم تنحصر على الاعتقال والتعذيب فقط، بل عانى الكثير منهم من اليتم بفقدان أحد الوالدين أو كلاهما، ونقص الاحتياجات الأساسية للحياة كالغذاء والدواء بظل انتشار الكثير من الأمراض والتدهور الاقتصادي الذي حل بسوريا، وأصبح بعض أطفالنا في الطرقات يجمعون مفرغات العلب البلاستيكية و يبيعونها بثمن زهيد لتأمين لقمة العيش.

بالاضافة لعدم الاستقرار والنزوح والتهجير واللجوء الذي أثّر بشكل مباشر على صحتهم النفسية، وبُعدِهم عن التعليم الذي انعكس بشكل مباشر على رؤيتهم للحياة والمستقبل، خصوصاً أولئك الأطفال الذين قضوا طفولتهم في مخيمات اللجوء.

فكل من غادر سوريا "مجبراً " في ظل أحداث الثورة السورية رحل على أمل العودة إلى أرض الوطن، حاملاً معه قيمه وثقافته و ذكرياته، رحل وهو عاقد العزم للعودة وبناء دولته على أسسٍ أهمها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

لكن.. كيف لطفل وُلد أو جاء في سنواته الأولى إلى مخيمات اللجوء، أن يكون منتمياً إلى وطن، بطاقته الشخصية التي يحملها هي "إقامة انسانية" أو "بطاقة لاجئ"

عنوانه مخيم اللجوء، والديه إما استشهدا أو اعتقلا أو عاطلان عن العمل.

باتت الخيمة و مزيج من المحن والمآسي والآلام، وطن هؤلاء الأطفال.

عندما تحدثهم عن تراث سوريا و تاريخها وحضارتها يحسبونها أسطورة أو حكاية من حكايا الجدة.

تُرى متى سيقتنع أبناؤنا أن هويتهم هي السورية، وأرضهم أرض سوريا

متى سيتعلمون أن "الوطن هو شرف.. وأن الأرض هي العِرض" ولنا في الأخوة الفلسطينين أسوة حسنة.

هل ستعرف الأبناء وحتى الأحفاد أنهم مدينون للآباء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل بلدهم و تحريرها من حكم ديكتاتوري مجرم، هل سيأتي اليوم الذي يعقدون به العزم على إستعادة وطنهم بالعلم والمعرفة وتطوير الذات والارادة والحكمة والعمل الدؤوب لبناء دولة ديمقراطية تسودها الحرية والعدالة.

أطفال سوريا هي قضية السوريين الأولى وخصوصاً بالنسبة للحقوقيين والسياسيين والإعلاميين ، وهي مسؤولية تقع على عاتق هيئات المعارضة السورية بكافة هيئاتها وفروعها، وخصوصاً على صعيد الصحة والتعليم.

الثورة لن تموت طالما تعيش بقلوب وعقول أبنائنا وأحفادنا.. وخياراتها "النصر أو النصر".

فالثورة مستمرة وشعارها "ثورة.. حتى النصر" والنصر هو بناء دولة ديمقراطية حرة أساسها العدل والقانون.