ثقافة الثورة

صورة تعبيرية (مظاهرة)
صورة تعبيرية (مظاهرة)

عندما بدأت ثورة الياسمين، الثورة الفريدة في التاريخ التي خرج أبناؤها حاملين الورود وهم يطالبون بالاصلاحات، قوبلت بالقتل والاعتقال رغم أن كل ماطلبوه هو الحرية، وبعد أن إشتد الاجرام والتعذيب

حتى الموت، طالب الشعب بإسقاط النظام في سوريا .

 

الجميع بات يعلم كم الأكاذيب التي نُسجت حول هذه الثورة وكم هي محاولات التضليل التي قامت بها المؤسسات الاعلامية التابعة للنظام الأسدي، لتشويهها ونعتها بالعصابات المسلحة من خلال فبركة الاعترافات التي كُشف زيفها لاحقاً.

هؤلاء الثوار الشرفاء الذين نعتهم النظام بالارهابيين، لم يكونوا إلا أهالي الأطفال الذين اعتقلهم النظام وقتل بعضهم تحت التعذيب وكان جُرم الأطفال الوحيد أنهم كتبوا عبارات برئية على الحائط.

ونتيجةً لما قوبل به هؤلاء الشرفاء من إجرام، ثار معهم أبناءُ جلدتهم ممن طفح بهم كيل الممارسات الاجرامية للنظام الأسدي على مدى عقود دون وجه حق .

عاب الكثيرون على "ثورة الياسمين" أن معظم أبنائها هم من البسطاء والكادحين، علماً أن الكثير من المثقفين والسياسيين وقفوا مع أبناء الثورة منذ أيامها الأولى، ولحق بهم مسؤولون كبار في الدولة والكثير من ضباط الجيش.

وأشار هؤلاء النقاد إلى أن الثورة غير منظمة ولا قائد لها و ما إلى ذلك من الانتقادات التي طغت على جوهر الثورة وأسبابها وما نتج عنها من قتلٍ للمدنيين واعتقالهم وتعذيبهم وتهجير الملايين من المواطنين وإفقار وإذلال من تبقى منهم.. ناهيك عن قصف المدن على رؤوس أبنائها.

كل ما سبق من ممارسات لم يتطرق له هؤلاء الجهابذة، ولم يكن نقدهم إلا لتبرير لما يجري من فظائعٍ بحق الشعب السوري.

 

ألم يفكر هؤلاء كيف لهذه الثورة أن تكون منظمة؟ علماً بأن النظام مارس التطهير السياسي على مدى أكثر من نصف قرن؟ ربما تبدأ بشكل عفوي وتنظم نفسها لاحقاً.

 

أما عن نقدهم للشريحة التي تمثل الغالبية من أبناء الثورة، فمن دون شك هؤلاء هم المستضعفون وأكثر من تعرض للظلم والقهر والقتل، فلم أسمع سابقاً عن ثورة الارستقراطيين أو ثورة "خمس نجوم مثلاً".

 

هؤلاء الرماديون الذين يغلقون الستائر على الحقائق حتى لا يتعاطفوا مع الأبرياء، فيطالهم سخط النظام، ينتقدون كل عمل مشروع، لا لشيء إلا للتغطية على جرائم النظام.

هؤلاء يصح فيهم ماقاله مارتن لوثر كينغ: "أسوء مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة"

هذا من جانب ..

أما من جانب آخر ألا وهو تأخير النصر ..

هناك فهم خاطئ لسيرورة الثورات، ذلك أن البعض ينظر إليها كأنها عمل تجاري، حيث تُبذل الجهود ويؤخذ المردود فوراً،

وهنا ما أعني بالمردود هو.. النصر، إسقاط النظام، عودة المهجرين، الإفراج عن المعتقلين... وغيرها من مطالب الثورة.

 

كيف لعدة سنوات أن تغير ما عاثت به هذه الدولة من فساد وإجرام وظلم واستعباد ونهب للخيرات.

كيف لبضع سنوات أن تنتصرالثورة على تحالفِ العديد من القوى العظمى ودولٍ ناصرت الظالم و وقفت إلى جانبه لتحقيق مكاسبَ سياسية أواقتصادية أواستراتيجية لها.

كيف لثورةٍ أن تصمد بعد أن تخلى عنها الكثير من أصدقائها و أبنائها وباتت تضمد جراحها بنفسها دون عون أو طبيب.

رغم كل ما مرت به هذه الثورة العظيمة.. الثورة العطرة.. "ثورة الياسمين" من صعاب، ظلت صامدة وظل أبناؤها مصممين على إستعادة الحرية والكرامة والمساواة.

 

أما عن ثقافة الثورة التي عنونت بها مقالتي...

فبعد عشر سنوات أعتقد أنه آن الآوان كي لا تكون هذه الثورة مجرد رد فعل عفوي،

آن الأوان أن تستفيد من كل الدروس والعبر التي مرت بها و أن تضع نصب أعينها دماء الشهداء وصرخات الأطفال واستغاثة النساء.

أن لا تنسى أن الصديق خذلها وأن المال السياسي أفسدها.

أن تتذكر دائماً كيف تخلى عنها المجتمع الدولي و غضّ طرفه عن كل جرائم النظام.

وبعد ما آلت إليه الأمور في سورية من إنعدام السيادة وتدمير البلاد، وأصبح شعبها إما شهيداً تحت التراب أو مسحوقاً فوق الأرض أو مهجّراً يصارع الظروف الصعبة وضنك الحياة في غربته.

 

فاليوم الكلمة والقرار للشعب السوري الذي وجد نفسه أمام منعطف خطير

فإما السير في طريقٍ معبد بالأشواك لإستعادة وطنه وحريته و بناء دولته الديمقراطية، برص صفوفه وانتاج قادته فكما قال غسان كنفاني: "إذا كان المدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين... لا أن نغير القضية" .

الأمر لا يتوقف على القيادات بل التيار الشعبي أيضاً وخارطة الطريق والرؤية في بناء الدولة الديمقراطية.

أو أن يكونوا عبيداً لنظام مجرم مُكلّف من قِبل عدة دول محتلة بإدارة الشؤون الداخلية فقط بقمع الحريات وتكميم الأفواه وسلب الخيرات.

 

وهذا يعني على الشعب أن يكون إما فاعلاً .. أو مفعول به