ذكرياتنا البعيدة عندما كنا نقف يوم الوقفة على عتبة الفرحة بقلوب تنتظر العيد. كان العيد فرحة، ففيه ألبسة جديدة نتباهى بها أمام الأقران. وفيه حلويات من كل صنف، ولون، وفيه عيديات الأهل والأقرباء تملأ جيوبنا حفنة من ليرات سورية فضية تفسحنا في مدن سوريا الجميلة الآمنة التي تلبس حلة العيد ببهجة، بدور سينما تعرض أفلاما جديدة نشاهدها متحمسين لأبطالها: طرزان، وهرقل، وساندوخان، وباتمان، وسبايدرمان.. وسواها. ونعود إلى منازلنا منهكين، كل منا اشترى ألعابا، ومجلات، لنجد لحوم العيد المشوية بانتظارنا. هكذا كانت سوريا الرخاء، سوريا السعادة، سوريا التي تخلو من الفقر والعوز والتشرد. هكذا كانت سوريا قبل أن يتسلط عليها آل الأسد، وزبانية البعث، وميليشيات "أبو شحاطة" الطائفية. نصف قرن ونيف تحولت سوريا الرخاء، وسوريا السعادة، إلى سوريا الدمار، والاستعمار، والفاقة، والحزن، واغتيال البهجة في قلوب الأطفال. قسم كبير من أطفال سوريا يعيشون تحت الخيام، ويتسولون في الملاجيء، لم يشعر واحد منهم بفرحة العيد، ومن يعيشون تحت سلطة سلطان القحط والمقت والعوز والخوف، محاصرون بلقمة عيشهم المغمسة بالقهر والحرمان. فماذا سيقدم أب لأولاده يوم العيد إذا كان راتبه الشهري لا يتجاوز 20 دولارا، فهذا الراتب هو الأدني في العالم في الوقت الذي تتوازى أسعار المواد الاستهلاكية في المدن السورية بالأسعار العالمية. فالدخل صومالي أو أدني، والمصروف أمريكي فكيف العيش؟. صار الطفل السوري يحلم بلباس، ويحلم بطعام، ويحلم بمدرسة، ويحلم بمنزل لا تخفق الأرواح فيه، ويحلم بفرحة عيد.. فهل ما زال هناك معنى لتهنئة السوري للسوري: كل عام وانت بخير. فكل عام يأتي عليه أسوأ من سابقه، وسابقه دائما أفضل من حاضره، فلا ملامة للسوريين الذين يركبون البحار، ويمخرون الأنجاد والوهاد، والقفر، ويتحدون الموت للهروب من سوريا إلى إي مكان في العالم لأن أي مكان في العالم اليوم أفضل من سوريا، التي قال فيها المتنبي بعد عودته من مصر وقد جاء العيد: عيد بأي عدت يا عيد بما مضى أم لهم فيك تجديد..