نظام الأسد ونظرية المؤامرة

سوريون هربوا من بطش النظام السوري
سوريون هربوا من بطش النظام السوري

(عن القدس العربي)
أعادني زلزال كهرمان مرعش، وقبله كوفيد 19 بإطلاق شائعات نظرية المؤامرة إلى ستينيات القرن الماضي، فجائحة كوفيد كانت بنظر البعض مؤامرة من قبل الصين، أو من قبل مختبرات كانت تسعى لأهداف، اختلفت في كل مرة حسب من يطلقها، فمنهم من رجح أن تكون لإنقاص أعداد البشرية المتنامية في العالم، ومنهم من قال إنه كان سلاحا بيولوجيا يحضر في مختبرات الصين لاستخدامه في الحروب، أما زلزال كهرمان مرعش فقيل إنه مؤامرة كبيرة ضد تركيا بإحداث زلزال عن طريق تفجير نووي في باطن الأرض.
تدخل دولي وإقليمي
وبالطبع فإن شائعتي المؤامرة لم يتم إثباتهما كعدد ليس بقليل من نظريات المؤامرة في العالم. لكن تبقى نظرية المؤامرة عالقة في الأذهان.
ونظرية المؤامرة، حسب عدة تعريفات علمية، هي عملية إخفاء حقيقة بصياغة أكاذيب بشكل منظم، أو تعليق إخفاقات نظام سياسي معين على مشجب المؤامرة الخارجية، أو الداخلية، فاحتجاجات إيران الأخيرة مثلا اعتبرها نظام الملالي بأنها مؤامرة صهيوـ أمريكية رغم أنه كان من الواضح أنها كانت احتجاجات شعبية واسعة ضد نظام العمائم الذي يقمع الإيرانيين وأوصلهم الى حد الفقر، والإيرانيات اللاتي أجبرن على ارتداء الحجاب (تشادور) وخرجن احتجاجا على مقتل مهسا أميني تحت التعذيب من قبل الشرطة الإيرانية لعدم احترامها اللباس المفروض عليها.
ويلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللوم في إخفاقات جيشه في غزوه لأوكرانيا على المؤامرة الدولية للغرب ضد روسيا والهادفة لتفكيك الاتحاد الروسي، واستعمال أساليب “رعاة البقر” لعزل روسيا على المستوى الدولي. في المنطقة العربية شاعت نظرية المؤامرة، بعد اكتشاف العرب المؤامرة الفرنسية البريطانية في اتفاقية سايكس ـ بيكو، ولا شك أنها كانت مؤامرة لاحتلال منطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بقرار من عصبة الأمم. وتضخمت هذه النظرية بعد إعلان إسرائيل كدولة في العام 1948 ونكبة الأنظمة العربية التي راق لها أن تلقي اللوم دائما على المؤامرة الغربية ضدها. وعبر وسائل إعلام الدولة أصبح مصطلح المؤامرة لازمة وجزءا من المنظومة الفكرية والعقائدية في بعض الدول العربية كلازمة أغنية رخيصة، أو كأسطوانة مشروخة، وبالأخص الدول التي تحكم من قبل ديكتاتوريات عسكرية، وسوريا مثالا.
منذ أن تسلط حزب البعث على السلطة في آذار/مارس 1963 كان يشيع عبر وسائل الإعلام الرسمية، وفي الخطابات الرنانة لزعمائه في كل مناسبة، وغير مناسبة، بأن الحزب يواجه مؤامرة دولية صهيوـ إمبريالية ـ رجعية عربية، والرجعية العربية كان يقصد بها تحديدا دول الخليج العربي، ليتبين فيما بعد أن دول الرجعية العربية استطاعت أن تبني دولها، وتؤمن مواطنيها، بينما كل الأنظمة العربية التي كانت تدعي “التقدمية” وعلى رأسها سوريا (البعثية ـ الأسدية)، وتتهم بعض الدول العربية بالرجعية والتآمر عليها، أودت البلاد والعباد بصنع يديها إلى هاوية سحيقة من الصعب الخروج منها.
وقد استطاعت “البروباغندا” البعثية ـ الأسدية بشكل خاص الوصول إلى هدفها بعملية غسل أدمغة السوريين بأن النظام مستهدف بمؤامرة دولية، وخاصة بعد تسليم الجولان السوري لدولة الاحتلال في حرب 67. فكانت لازمة النظام لأسطوانته المشروخة أن دولة الاحتلال ومن خلفها الامبريالية العالمية كانت تهدف إلى إسقاط النظام البعثي ـ الأسدي ولم تنجح في ذلك، وهذا بحد ذاته يعد انتصارا كبيرا في هذه الحرب، ولو أن سوريا خسرت الجولان.
واتضح بعد نصف قرن ونيّف أن النظام البعثي ـ الأسدي مازال قائما ويمارس أبشع أنواع القمع الهمجي بحق السوريين، وأن دولة الاحتلال التي ضمت الجولان وملأته بالمستوطنات تتفسح في الأجواء السورية وتمطر المطارات والمقرات المختلفة والموانئ السورية بآخر مستحضرات القنابل والصواريخ الذكية جدا، ونظام المقاومة والممانعة والمستهدف “بمؤامرة كونية” لا يقوى حتى على الرد على كل الاعتداءات شبه الأسبوعية من قبل دولة الاحتلال.
مع انطلاقة الثورة السورية في العام 2011 بدأ صراخ النظام على عادته ملوحا هذه المرة بمؤامرة كونية ضده (ولم تعد الصهيوـ إمبريالية ـ رجعية عربية)، فالكون بأكمله أصبح الآن يتآمر على النظام البعثي ـ الأسدي، ويتهم الكون بالدمار الذي لحق بسوريا. ولكنه في الوقت نفسه وجد من لا يتآمر عليه، بل يساعده في تدمير سوريا وقتل السوريين، من إيران وميليشياتها المتعددة الباكستانية والأفغانية والعراقية واللبنانية والإيرانية، وروسيا وميليشيا فاغنر الذين أجرموا جميعا بحق السوريين، ولو أن بعض الدول العربية وقفت إلى جانب الثورة في بدايتها، لكن معظم الدول الأخرى كانت إلى جانبه.
استغلال الزلزال
وجاء زلزال كهرمان مرعش “كشحمة على فطيرة” كما يقول المثل السوري ليستغله النظام للخروج من عزلته، وكأن الدول العربية التي تأخرت في التطبيع معه (بدأ التطبيع معه من دولة الإمارات ومملكة البحرين، وحركة حماس)، كانت تنتظر هذا الحدث المأساوي لتأخذه ذريعة سريعة جدا في انطلاقة “كونسيرتو” الزيارات الدبلوماسية إلى دمشق، من وزراء خارجية وبرلمانيين، ونقابيين، لتعويم النظام الذي كان يتهم الكون بأكمله بالأمس بالمؤامرة ضده بما فيها الدول العربية الراغبة في التطبيع معه في عملية سياسية انقلابية تتغاضى فيها عن ضحايا مئات الآلاف من السوريين، ودمار سوريا لتحرك مبضعا جارحا مرة أخرى في جسد الشعب السوري الذي يرى في هذه المبادرات خيانة كبرى للمبادئ الإنسانية، ومكافأة الجلاد على قتل الضحية.