سوريا والخرائط الجديدة: أين مصلحة السوريين

اللقاء الأخير بين ترامب ونتنياهو لم يكن مجرد مناسبة بروتوكولية
اللقاء الأخير بين ترامب ونتنياهو لم يكن مجرد مناسبة بروتوكولية


في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية والإقليمية، يظهر أن اللقاء الأخير بين ترامب ونتنياهو لم يكن مجرد مناسبة بروتوكولية، بل شكّل لحظة مفصلية في تبدل أنماط التأثير والنفوذ في الملف السوري، وبالأخص فيما يتعلق بالعلاقة الأميركية – الإسرائيلية – التركية الجديدة.
في هذا السياق، السوريون معنيون بفهم ثلاثة أمور رئيسية:
أولاً: أن ما كان يبدو في السابق كتحالف أميركي – إسرائيلي مطلق في الملف السوري قد بدأ يتآكل لصالح شراكة أميركية – تركية أكثر فاعلية. هذا يضعف اليد الإسرائيلية في سوريا ويمنح دمشق مساحة أوسع للحركة.
ثانياً: اعتراف ترامب الضمني بهيمنة تركيا على الملف السوري هو تسليم بموازين قوة ميدانية جديدة فرضتها أنقرة بعد سقوط الأسد. وهذا يعني أن السوريين أمام مشهد سياسي جديد تشكل تركيا فيه شريكاً مركزياً في مستقبل سوريا، وهو ما يفرض على القوى السورية التفاعل بذكاء مع هذه الحقيقة .
ثالثاً: ظهور الموقف الإسرائيلي المرتبك والعاجز خلال الاجتماع، يؤشر إلى أن زمن الضغط الإسرائيلي غير المكلف على سوريا يوشك أن ينتهي، لا سيما في ظل تراجع الدعم الأميركي التقليدي عن هذا النوع من السياسات.
ما الذي يمكن استنتاجه في ضوء هذا كله؟
أولاً: المرجّح أن تزداد الضغوط الدولية والإقليمية على إسرائيل للحد من تدخلها العسكري في سوريا، خاصة في الجنوب. وهذا قد يفتح نافذة أمام السوريين لترتيب وضعهم الأمني في تلك المناطق.
ثانياً: تركيا تتجه لتعزيز شرعيتها ووجودها في سوريا عبر مشاريع اقتصادية واستراتيجية، منها مشروع ربط سوريا بطريق التنمية مع العراق. وهذا قد يمثل بوابة لتكامل اقتصادي إذا أحسن السوريون استثماره.
ثالثاً: من المحتمل أن تتزايد محاولات بعض القوى الدولية والإقليمية لاستثمار الورقة الطائفية أو العرقية لاستنزاف الدولة السورية، وهو ما انعكس في تصريحات إعلامية إسرائيلية تتحدث عن الرهان على الأقليات السورية، وعلى وجود من يصفهم بـ"الأحمق المفيد" في هذا السياق.
السوريون بحاجة إلى توضيح الأولويات اليوم، وهي حماية الاستقرار ومنع إعادة تفكيك البلاد بأدوات غير مباشرة. ويجب تعزيز خطاب وطني جامع يرفض الاصطفاف الطائفي والعرقي، ويؤكد الانتماء السوري.
الجامعة السورية كهوية سياسية وثقافية تبدأ من مواجهة هذه السياسات بوعي، وبناء الثقة داخل المجتمع السوري، وبناء علاقة متوازنة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين تقوم على الندية والمصلحة.
النخب السورية مطالبة بالجرأة في مواجهة الخطابات المتطرفة، والانفتاح على جمهورها بلغة واقعية تتحدث عن المصالح لا الشعارات، والانتقال من رد الفعل إلى الفعل ذاته. الآن هو وقت بناء الوعي، ثم المؤسسات، ثم الاستقلالية.