سوريا الجديدة : المئة يوم الأولى من التحرير والبناء

لاتزال البلاد تواجه واقعًا سياسيًا وعسكريًا معقدًا
لاتزال البلاد تواجه واقعًا سياسيًا وعسكريًا معقدًا

 

بعد مرور مئة يوم على سقوط النظام السابق، يقف السوريون اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، تحمل معها مزيجًا من الأمل والتحديات. فمن جهة، تشهد المدن الكبرى مثل دمشق وحلب حركة دؤوبة في إعادة تأهيل الشوارع والطرقات، وتحسين الإنارة العامة، إلى جانب نشاط ملحوظ للمنظمات المدنية. ومن جهة أخرى، لا تزال البلاد تواجه واقعًا سياسيًا وعسكريًا معقدًا، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية، ما يجعل مسار الاستقرار طويلًا ومليئًا بالعقبات.

بوادر الاستقرار أم مظاهر تجميلية؟

التحركات الحالية في إعادة الإعمار وتحسين الخدمات قد تعكس محاولات جادة لإعادة الحياة الطبيعية إلى المدن، لكنها تثير أيضًا تساؤلات حول مدى استدامتها. فالوزارات تسعى إلى إعادة الهيكلة وتحقيق تقدم في مجالات اختصاصها، بينما تنشط المبادرات المدنية لدعم المجتمعات المحلية. ومع ذلك، يظل السؤال الأهم: هل هذه التغييرات تعكس تحولًا حقيقيًا في بنية الدولة، أم أنها مجرد إجراءات تجميلية تهدف إلى إرسال رسائل طمأنة داخلية وخارجية؟

المشهد السياسي: إعادة ترتيب أم استقرار حقيقي؟

لا تزال البلاد في مرحلة إعادة التشكيل السياسي، حيث وقع الرئيس الجديد إعلانًا دستوريًا يمنح الحكومة الجديدة سلطات واسعة لمدة خمس سنوات. هذا التطور، الذي أبرزته وسائل الإعلام الغربية بتوصيفات مثل "حكومة إسلامية"، يعكس تعقيد المشهد السوري، حيث تحاول القوى الداخلية والدولية فرض رؤاها على مستقبل البلاد.

إلى جانب ذلك، فإن التحركات العسكرية لا تزال مستمرة، خاصة في المناطق الجنوبية الغربية حيث تحاول اسرائيل استمالة الدروز وتضخ اموالا ومساعدات "انسانية" لعلهم اسفين يدق في الوحدة الوطنية وفي المنطقة الشمالية الشرقية، حيث تحاول قسد والحكومة الجديدة ارساء الاتفاق بينهما وجعله واقعا يؤمن المنطقة ويعيدها الى جغرافيتها الاصلية ، بينما تواصل روسيا وإيران وتركيا أدوارها في إعادة رسم خريطة النفوذ داخل سوريا. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد بدأت بعض الدول، مثل قطر، في تقديم دعم اقتصادي، ما يشير إلى أن سوريا الجديدة قد تصبح ساحة لتنافس القوى الإقليمية على المصالح الاقتصادية والسياسية.

تحديات حقيقية عقب سقوط نظام الأسد 

رغم كل الجهود المبذولة للتغيير و التطورات السياسية السريعة فإن  البلاد لاتزال تواجه تحديات جوهرية:

• الوضع الاقتصادي: لا تزال العقوبات قائمة، ما يعطل أي محاولات للتعافي السريع.

• ملف اللاجئين: ملايين السوريين في الخارج يرغبون في العودة، لكن كثيرين لم يعد لديهم منازل أو فرص اقتصادية.

• التدخلات الخارجية: استمرار التأثير الروسي والإيراني والتركي يحدّ من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات سيادية مستقلة.

ما تشهده سوريا اليوم هو بداية لمرحلة انتقالية، لكن الوصول إلى استقرار دائم يتطلب أكثر من مجرد تحسينات في البنية التحتية أو إعادة هيكلة الوزارات. المطلوب هو توافق سياسي شامل، وإعادة بناء الاقتصاد، وتحقيق العدالة الانتقالية لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.

في المحصلة، سوريا الجديدة لا تزال في طور التشكل، وما ستؤول إليه الأمور خلال الأشهر والسنوات القادمة سيعتمد على قدرة القوى الفاعلة داخل البلاد على تحقيق توازن بين المصالح المحلية والدولية، وبين إعادة الإعمار الحقيقي وبناء دولة قادرة على استيعاب تطلعات شعبها.