في مساء الأربعاء 2 أبريل/نيسان 2025، نفّذت الطائرات الحربية الإسرائيلية واحدة من أعنف حملاتها الجوية ضد أهداف استراتيجية في سوريا، مركزة قصفها على المطارات العسكرية في وسط البلاد ومراكز الأبحاث في محيط دمشق وحماة. ترافقت الغارات مع اجتياح بري واشتباكات في الجنوب السوري، في مشهد أعاد رسم خطوط الصراع في سوريا التي تعيش مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي.
استراتيجية "نزع السلاح الكامل": هدف إسرائيل القادم
ليس جديدًا أن تنفذ إسرائيل غارات ضد أهداف داخل سوريا، لكن الجديد في هذه الحملة هو حجمها وتوقيتها، وكذلك طبيعة الأهداف التي طالت بشكل مركز البنية التحتية الجوية والعسكرية، خاصة مطاري حماة والتيفور. يبدو أن تل أبيب تسعى، في مرحلة ما بعد الأسد، إلى فرض واقع عسكري جديد في سوريا: دولة منزوعة السلاح، وبنية دفاعية ممزقة، تمنع أي قوة مستقبلية – سواء محلية أو إقليمية – من تحويل سوريا إلى ساحة تهديد لإسرائيل.
الضربات الإسرائيلية لا تُقرأ فقط في سياق الحرب المفتوحة مع إيران ووكلائها، بل أيضًا كرسالة سياسية للفاعلين الجدد في دمشق. فإسرائيل، التي فقدت حليفًا غير معلن في نظام الأسد، باتت تتعامل مع واقع جديد لم تُحدَّد ملامحه بعد. تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن "الإدارة الجديدة في دمشق تمتلك القرار فيما إذا كانت ترغب في التوصل إلى تفاهمات مع الإسرائيليين"، تفتح الباب على سيناريوهات عدة، من التفاوض إلى الرد. العسكري.
نتنياهو واستعراض القوة في لحظة إقليمية حرجة
بعد حرب مدمرة في غزة، ومع تصاعد التوترات الإقليمية، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى استثمار تفكك الدولة السورية لمواصلة استعراض القوة أمام خصومه، وإرسال رسائل مزدوجة: طمأنة الداخل الإسرائيلي من جهة، وتحذير القوى الإقليمية من جهة أخرى – خاصة تركيا.
تصريحات نتنياهو الأخيرة بأن "المواجهة مع تركيا قادمة لا محالة" تؤشر على توجّه تصعيدي غير مسبوق بين البلدين، خاصة مع تقارير تفيد بأن دمشق الجديدة تتقارب سريعًا مع أنقرة، ولقاء الرئيس السوري المؤقت مع أردوغان في تركيا يدفع بهذا الاحتمال إلى الواجهة، وسط تكهنات عن اتفاقيات أمنية وعسكرية قيد التوقيع، ما قد يُعيد رسم توازن القوى جنوب سوريا.
تركيا: بين إعادة التموضع وفرض النفوذ
أنقرة تدرك أن أي فراغ في سوريا سيملؤه الآخرون، ولذلك تتحرك بسرعة لمحاولة تطويق النفوذ الإسرائيلي، خصوصًا في الجنوب السوري. مدينة نوى في ريف درعا، التي شهدت تشييع شهداء سقطوا في اشتباك دفاعي مباشر مع قوات إسرائيلية مدرعة، تعكس تنامي روح المقاومة المحلية، ولكن من دون دعم إقليمي منظم ستكون هذه الحراكات محدودة الأثر.
في المقابل، تركيا تبدو في موقع يسمح لها بلعب دور حاسم، خاصة بعد سنوات من بناء النفوذ السياسي والعسكري في شمال سوريا. دعمها لحكومة انتقالية في دمشق، وعقد اتفاقيات تعاون معها، قد لا يكون مجرد تعاون تقني، بل خطوة استراتيجية ضمن تصور أوسع لمواجهة الدور الإسرائيلي، بل وربما قطع الطريق على أي مسار تفاهم مباشر بين إسرائيل والإدارة الجديدة.
هل تشتعل الجبهة الجنوبية مجددًا؟
مع استمرار إسرائيل في قصف المطارات العسكرية وتقدمها ميدانيًا في الجنوب، من المرجح أن تتوسع رقعة الاشتباكات، خاصة في محافظتي درعا والقنيطرة. غير أن السيناريو الأخطر يتمثل في اندلاع مواجهة أوسع بين تركيا وإسرائيل على الأرض السورية، خاصة إذا سعت تل أبيب لمنع إقامة أي ترتيبات عسكرية مشتركة بين دمشق وأنقرة.
شرق أوسط يتغير.. ولكن نحو ماذا؟
المشهد الإقليمي يتغير سريعًا: تحالفات جديدة تتشكل، وخرائط تعاد رسمها، وسوريا تقف من جديد في قلب هذه التحولات. إسرائيل، وقد فقدت "الهدوء السوري" الذي كان يوفره الأسد، تضرب بشراسة لمنع قيام أي تهديد محتمل. وتركيا، وقد تهيأت لمرحلة ما بعد الأسد، تتحرك بسرعة لتكون صاحبة اليد العليا في دمشق.
المستقبل في سوريا لن يكون صامتًا، وقد لا يكون مستقرًا في المدى المنظور، ولكن المؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من إعادة التشكيل، قد تكون أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى، ومع ذلك فإن اليقين يملأ السوريين بأنهم قادرين على فرض مستقبلهم الذي يرجون .