العدالة الانتقالية ضرورة لا تحتمل التأجيل

آلاف المختفين قسرا خلال حكم عائلة الاسد  مازالوا مفقودين
آلاف المختفين قسرا خلال حكم عائلة الاسد مازالوا مفقودين

امتدت سنوات الاستبداد في سورية حتى تجاوزت النصف قرن ، تنوعت فيها ادوات القمع وقتل الحريات ، وغسل الادمغة , واختبر السوريون كل أساليب القمع الدكتاتوري السياسي والعسكري التي عملت على تعزيز سيطرة النظام على السلطة، ومنع أي معارضة أو مقاومة.

فبالاضافة الى التحكم في وسائل الإعلام وحظر نشر أي أخبار أو تقارير تنتقد النظام هناك تقييد الحريات ومنع التجمعات العامة، والاحتجاجات، وفرض قوانين تقيد حرية التعبير والتنظيم ,وتصفية المعارضة واعتقال أو نفي أو اغتيال الشخصيات المعارضة للنظام.

وبالإضافة الى كل هذا ، عانى السوريون كما كل الشعوب التي تخضع للحكم الدكتاتوري ،من الانتخابات الشكلية: حيث كان يتم تنظيم انتخابات صورية لضمان بقاء الحاكم في السلطة مع تزييف النتائج.

كل ذلك يتم في اطار صارم من زرع الخوف واستخدام وسائل الترهيب ضد المواطنين مثل الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري.

وبعد ان تم سقوط النظام وانتهت عقود من الظلم والاستبداد ، وتم الكشف عن فظائع ارتكبها النظام ،وتجاهلها المجتع الدولي لعقود وترك السوريون يواجهون القتل والدمار والتهجير عندما طالبوا مرارا بحريتهم .

الان وبعد ان انجلى غبار معركة الحرية وفرحنا بالنصر وبكينا شهداءنا وسنوات القهر والخراب .. علينا ان نلتفت الى بناء  حياة جديدة  في دولة مواطنة كما يستحق السوريون بحق ، ولذلك فإننا نحتاج الى خارطة طريق تعوض ما فات ، وترمم ما انكسر ، وتسمح للجروح الغائرة ان تندمل .

الحاجة إلى العدالة الانتقالية تنبع من ضرورة التعامل مع الماضي المؤلم بطرق تعزز السلام، وتُرسخ العدالة، وتمنع تكرار الانتهاكات، مما يُمكّن المجتمعات من الانتقال نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدلاً.

الحاجة إلى العدالة الانتقالية تكون ماسة لأنها تلعب دورًا حاسمًا في المجتمعات التي تمر بفترات انتقالية بعد النزاعات أو الأنظمة القمعية وهذه الحاجة ملحة لأنها :

تساهم في معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان

 تساعد العدالة الانتقالية في تقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات.

 تكفل ضمان حقوق الضحايا، وتعزز الاعتراف بمعاناتهم.وتساعد في إعادة بناء الثقة المجتمعية

 المجتمعات التي عانت من الانقسامات العميقة نتيجة العنف أو القمع تحتاج إلى آليات لبناء الثقة بين الأفراد،والجماعات، والدولة.

 تحقيق العدالة يمنع شعور الضحايا أو الفئات المستهدفة بالإقصاء أو التهميش .

ولها دور كبير في منع الانتقام والعنف المستقبلي : العدالة الانتقالية تتيح وسيلة سلمية للتعامل مع المظالم بدلاً من اللجوء إلى الانتقام أو تصاعد العنف. وتخلق آليات للتعامل مع الخلافات بطرق مؤسسية ومنظمة.

وبهذا يكون لها الدور الاساسي في تحقيق المصالحة الوطنية: فتساعد على تقليل الاستقطاب الاجتماعي والسياسي عبر خلق مناخ يُمكّن الأطراف المتنازعة من العمل معًا نحو مستقبل مشترك، و تُعزز شعورًا بالمسؤولية الجماعيةتجاه بناء السلام.

كما تقوم العدالة الانتقالية أيضا بدور اساسي في إصلاح المؤسسات:

فالمؤسسات التي كانت جزءًا من النظام القمعي تحتاج إلى إعادة بناء لتكون مؤسسات تخدم الشعب، مثل القضاء، والشرطة، والأجهزة الأمنية. كما أن الإصلاح المؤسسي يمنع تكرار الانتهاكات ويضمن مستقبلًا قائمًا على سيادة القانون .

وبهذا تساهم العدالة الانتقالية في تمكين الضحايا واستعادة كرامتهم:

 تمنح العدالة الانتقالية صوتًا للضحايا من خلال لجان الحقيقة أو المحاكمات، مما يُسهم في شفائهم النفسي والاجتماعي.

 التعويضات وإعادة الاعتبار تعزز الشعور بالعدالة والإنصاف.

وأخيرا للعدالة الانتقالية دور في ترسيخ سيادة القانون

فالعدالة الانتقالية تُظهر أن لا أحد فوق القانون، مما يُعيد الثقة في النظام القضائي والدولة.

ذلك بالاضافة الى أن مواجهة الجرائم الماضية تُعزز مناعة المجتمع ضد عودة الحكم القمعي أو الانتهاكات

فما هي العدالة الانتقالية وما هي آلياتها

العدالة الانتقالية هي مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تُستخدم لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سياقات التحول السياسي أو الانتقال من حالة نزاع أو نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي أو مسالم. تهدف العدالة الانتقالية إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز سيادة القانون وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

تعريف العدالة الانتقالية:

يمكن تعريفها بأنها ;عملية تحقيق العدالة في مرحلة انتقالية من خلال آليات تشمل : المحاكمات، لجان الحقيقة، برامج التعويضات، وإصلاح المؤسسات لضمان المساءلة عن الانتهاكات السابقة وإرساء أسس السلام والاستقرار والمساواة..

أهداف العدالة الانتقالية:

1. كشف الحقيقة: توثيق الحقائق حول الانتهاكات التي حدثت وإظهارها للضحايا والمجتمع.

2. مساءلة المسؤولين: تقديم مرتكبي الانتهاكات للعدالة من خلال المحاكمات أو المساءلة السياسية.

3. جبر الضرر: تعويض الضحايا ماديًا أو معنويًا واستعادة حقوقهم.

4. إصلاح المؤسسات: إعادة هيكلة المؤسسات التي ساهمت في الانتهاكات مثل القضاء، الشرطة، والجيش.

5. تعزيز المصالحة: بناء جسور الثقة بين أفراد المجتمع وتحقيق السلام الاجتماعي.

أدوات العدالة الانتقالية:

1. المحاكمات القضائية: محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.

2. لجان الحقيقة: التحقيق في الأحداث وكشفها للرأي العام.

3. تعويض الضحايا: توفير التعويضات المالية أو الدعم النفسي والاجتماعي.

4. الإصلاح المؤسسي: تحسين أداء المؤسسات وضمان احترام حقوق الإنسان.

5. الذاكرة الجماعية: بناء نصب تذكارية أو توثيق التاريخ كجزء من الحفاظ على الذاكرة الجماعية.

كل ما سبق يشير الى اهمية تطبيق الآليات التي تتطلبها هذه المرحلة ليتسنى للسوريين طي صفحة الماضي وتمكينهم من بداية جديدة تندمل فيها جروح الماضي وفتح آفاقا جديدة أمامهم .