(عن القدس العربي)
انطلقت الثورة السورية من جديد من مهد الثورة السورية الكبرى (ضد الفرنسيين 1925) بقيادة السلطان باشا الأطرش في السويداء بعد أن اعتقد «الجنرال» بشار الأسد أنه انتصر على الشعب السوري وأعلنها بابتسامة عريضة. لكن هذا الشعب المطالب بكرامته وخبزه لم يستكن لكيماوي الأسد وبراميله المتفجرة، وميليشياته الطائفية المرتزقة من خلف الحدود، ولا من طائرات سوخوي الروسية، ومدافع حزب الله وصواريخ الحرس الثوري.
لقد وقف شباب السويداء، وشباب حوران، للمطالبة برحيل الأسد ورفعوا شعارات الثورة الأولى «يلا ارحل يا بشار»،«واحد، الشعب السوري واحد»،«سوريا بدها حرية» بكل بساطة، وهذه أولى هتافات للثورة السورية التي انطلقت من حناجر شباب درعا في العام 2011. وقد لبى نداء ثوار السويداء عدة مدن أخرى في سوريا (عدد نقاط الحراك بلغ أكثر من ثلاثين نقطة منها: درعا، الأتارب، وصلاح الدين، كناكر، دير الزور، الرقة، تل أبيض، جرابلس، الباب، جاسم، نوى، درعا) وقف النظام حائرا، متوجسا هل يقصف السويداء ببرميلين أو ثلاثة براميل متفجرة، أو هل ينهي هذه الانتفاضة بصاروخ كيماوي، أو يقتحمها ويرتكب فيها مجزرة كبيرة كما فعل في باقي المدن السورية المنتفضة خلال السنوات الماضية؟
الحسابات هنا مختلفة جدا، فأي عمل غير محسوب في عاصمة جبل الموحدين له ارتدادات زلزالية تمتد إلى باقي الطوائف وخاصة الطائفة العلوية التي بدأت بوادر التذمر فيها تظهر للعلن، والطائفة الإسماعيلية القريبة عقائديا من الموحدين، وسيفقد ادعاءاته التي كان يضرب على وترها دائما بأنه حامي الأقليات، وإذا ما قامت الأقليات من سباتها لتلتحق بالأكثرية السنية، وربما امتدت الاحتجاجات إلى دروز لبنان وتشعل فتيل حرب جديدة.. فالقمع الوحشي خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية كان تحديدا ضد الأكثرية السنية لأنها المكون الأكثر تهديدا لوجوده ولم يحاسبه أحد على جرائمه فاستهداف السنة مخطط له ومطلوب لتغيير قواعد الحكم في أكثر من بلد عربي بدعم خارجي. وعلاوة على القمع العسكري الهمجي، والمجازر الوحشية ضدهم، كان النظام يستخدم شخصيات دينية موالية (شيوخ الرز بحليب كما يصفهم السوريون الذين وقفوا إلى جانب النظام) كالشيخ بسام ضفدع أحد مشايخ مدينة كفر بطنا والذي قاد عددا من مقاتلي الفصائل من أجل المصالحة مع النظام، وساهم بتسليم الغوطة الشرقية له، وبنفس هذه السياسة يستخدمها مع باقي الطوائف، فاليوم يجرب الأسد ضفدع السويداء يوسف جربوع المعروف عنه موالاته للنظام ليلعب لعبته لإنهاء الحراك الثوري في السويداء.
وجربوع هو واحد من 3 مشايخ عقل يمثلون المرجعية الروحية للطائفة الدرزية بسوريا، إلى جانب حكمت الهجري وحمود الحناوي ويتصدر الشيخ الهجري المشهد الثوري بتأييده الكامل للحراك الثوري بإصداره بياناً أكد فيه «نفاد الصبر وفوات الأوان وأن «الصمت لا يعني الرضا، فقد طاولت التصرفات والإجراءات لقمة العيش، فآن الأوان لقمع مسببي هذه الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة، ولنقتلع من أرضنا كل غريب وكل مسيء».
يعتمد النظام على مجموعة من الإعلاميين لتلميع صورته ومواجهة منتقديه ومعارضيه على قنوات خارجية، والأسماء كثيرة وصارت معروفة لدى المشاهدين مهمتها فقط الدفاع عن ضلال عن النظام، وتأليب الرأي العام
وبدوره أصدر الحناوي بياناً أكد فيه أن صوت المتظاهرين ووقفتهم لا رجعة عنها لإيجاد الحل الحاسم.. فللصبر حدود، وقال الحناوي إن «الطامة التي ألمت بنا جميعاً بعد أن عدمنا جميع الوسائل وحارت المساعي التي لم نترك باباً إلا وطرقناه من أجل إيجاد الحلول الناجحة ودرء المخاطر وتخفيف المحن عن الجميع» وأضاف أنه «على المسؤولين أن يعلموا حق العلم أن البطالة والجوع هما أكبر محرك لانهيار المجتمع».
لقد عمل حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار على بناء نظام يقوم كاملا على «التشبيح» سياسيا عبر حزب البعث «القائد وبرلمان المصفقين» و«الجبهة الوطنية التي تضم أحزاب الموالاة» وأمنيا بإنشاء أربعة أفرع أمنية (إدارة المخابرات العامة، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، الأمن العسكري، ولها فروع في كل المحافظات يشار إليها بالأرقام التي قتل في أقبيتها عشرات الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب) يضاف إليها جيش الشبيحة (مجموعات تستخدم لقمع أي احتجاج بارتكاب جرائم قتل، واغتصاب، وسرقات) بالإضافة إلى كل الاتحادات العمالية والفلاحية والنسائية ومنها اتحاد الصحافيين الذي يرفد النظام بما يلزم من «شبيحة» الإعلام الجاهزين للتضليل الإعلامي، وقلب الحقائق، والجيش الإلكتروني الذي يرصد كل نشاط إعلامي معارض على النت، ليتم إلقاء القبض عليه وتجريمه حسب القانون رقم / 20/ للعام 2022، القاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية حيث يتضمن 50 مادة تنص على عقوبات مالية وبالسجن لكل من يخالفها في المادة رقم 27: «يعاقب بالاعتقال المؤقت من سبع سنوات إلى خمس عشرة سنة وغرامة عشرة ملايين ليرة سورية إلى خمسة عشر مليون ليرة سورية كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد إثارة أفعال تهدف أو تدعو إلى تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، أو سلخ جزء من الأرض السورية عن سيادة الدولة، أو إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور، أو قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة» وهذا القانون يسمح له باعتقال مئات الناشطين المؤيدين للثورة، وفي المادة 28: «يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وغرامة من خمسة ملايين ليرة سورية إلى عشرة ملايين ليرة سورية كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية» وهذا أيضا يمكنه من اعتقال صحافيين وناشطين ينشرون أخبار الثورة، وفي الواقع كل الأخبار الكاذبة والملفقة هي من صنع النظام والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، والمضحك في هذا القانون هو المادة رقم 30 المتعلقة بتجارة المخدرات، في دولة المخدرات فهي تدين نفسها بنفسها: «يعاقب بالسجن المؤبد وغرامة عشرة ملايين ليرة سورية كل من أنشأ أو أدار موقعا إلكترونيا أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقميا على الشبكة بقصد الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية أو الترويج لها» وبالطبع جميع وسائل الإعلام العامة والخاصة لا يمكنها أن تنشر أي خبر، أو تعليق، أو مقال، يمس بنظام الأسد، أو يشير إلى الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، التي تغطى جميعها تحت غطاء محاربة الإرهاب، أو مسؤولية شقيق رئيس النظام بإدارة تصنيع وترويج وتصدير المخدرات التي غزت البلاد العربية وحتى الأوروبية، الذي وبحكم القانون يجب أن يحكم عليه بالسجن المؤبد.
ويعتمد النظام على مجموعة من الإعلاميين لتلميع صورته ومواجهة منتقديه ومعارضيه على قنوات خارجية، والأسماء كثيرة وصارت معروفة لدى المشاهدين مهمتها فقط الدفاع عن ضلال عن النظام، وتأليب الرأي العام.
وقد شهدت الثورة السورية الكثير من التقارير الإخبارية الكاذبة التي كانت من صنع مخابرات النظام. وهي لن تتوانى عن ممارسة هذه السياسة حيال الانتفاضة في السويداء، وحوران.
وقد بدأت باعتقالات لناشطين معروفين ومعارضين حتى من الطائفة العلوية التي بدأ بعض شبابها بالتحرك ضد النظام عبر منشورات على النت. وهذا ما يخيف الجنرال الذي لن يبتسم هذه المرة. ومعه كل من حاولوا تعويمه وطمس جرائمه.