الجوع السوري مقدمات للانهيار أم لأهداف ما بعده

صورة تعبيرية (موقع  Liberimage )
صورة تعبيرية (موقع Liberimage )

استعجلت قوى المعارضة السورية ونشطائها، انتظار ثورة الجوع بسوريا، ورسمت المشاهد بعجالة، دون تحليل لبنية النظام وأذرعه وحلفاءه.
يمكن أن نصدق أن ثمة جوع، لكن بعكس ما تتمنى القوى المتلهفة، فالأمور مضبوطة بما يكفي ألا تقوم ثورة، بل ترسخ مفاهيم الأبدية الأسدية، وبقدرة على ضبطها واستثمار تحولاتها ومشاهدها، وقد ينتصر بها، والأهم تأكيد فكرة أبدية" الأسد" دوما، لدرجة أن يسأل بوتن نظائره الأمريكان، من ترونه بديلا عن الأسد" ليأتي الجواب " لا نعرف".

لا جديد من مشهد الانهيار السوري، سوى بجانبه الاقتصادي المتسارع، مترافقا بتزايد المواقف الإعلامية من أوسع الشرائح السورية، متحدية قانون التجريم الالكتروني، وبطشه وتنكيله، وبغياب مؤشرات أكثر موضوعية وتحليلية، يحق السؤال ما الذي يقارب صورة الانهيار، فهل البحث عن الخلاص، بعد عشرة سنوات من الحرب التي" أكلت الأخضر واليابس" أم وصول جميع الأطراف لطريق مسدود في الجانب السياسي، ففعلت الأدوات الأخرى وليس بعيدا عنها بعض العسكري.
كل المؤشرات الاقتصادية تلمح للانهيار، لكنها لا تتبناه، لمعرفتها ببنية الدولة العميقة لنظام الأسد، والاهم أن مفاعيل قانون قيصر وما قبله، جميعها كانت توحي أن ما يجري اليوم هو النهاية الطبيعية لما بدأه الأسد بالأمس، لكن سرعان ما نستحضر أن الأسد ليس وحيدا في مواجهته للجياع، ومن أنقذه بالرجال والعتاد لن يقف عند المال، وهو ما يفرض قراءة اقتصادية أبعد من حدود الجغرافيا السورية، وصولا لقوى إقليمية ودولية، لم تكن راغبة في انهياره، قبل الوصول لأهدافها التي يعمل الأسد على تحقيقها، وإذا انهار نظامه فان حلفاءه ستكون خسارتهم مضاعفة، فمن يضمن لإيران تعويض ما أنفقته.

 وفقاً لمسؤولين إيرانيين، تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار، فيما تشير الأرقام لحجم الإنفاق العسكري الروسي في سوريا بنحو 7 مليارات دولا، إضافة لاتفاقيات طويلة الأجل للاستثمار في موارد اقتصادية أبرزها محطات كهربائية وشركات نقل وبناء مطاحن في حمص و (عقد عمريت) البحري للتنقيب عن النفط وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية، والاتفاقية مع شركتي (فيلادا و ميركوري) الروسيتين للتنقيب عن النفط في ثلاث مناطق وثلاثة عقود، وعقد استثمار ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً ويجدد تلقائياً، وليس نهايته العلاقة بتوقيع ما يقارب 40 اتفاقاً وصفقة تجارية، وهذا جله يقود للحراك الروسي ـ حالياـ باتجاه نقاط تلاق مع الامريكين والتركي وليس نهاية، باتجاه الخليج العربي على أمل فتح ثغرة ودعم حلول توافقية في الحالة السورية وبالرعاية الروسية ذاتها تجنبا لضياع المصالح.
صحيح أن التقارير الاقتصادية الصادرة عن مواقع وصحف موالية تشير، أنّ النظام يمر بمرحلة حرجة، جراء تدهور أسعار الليرة السورية مقابل الدولار، وثمة " ململة" حتى في أوساط حاضنته الاجتماعية، وانعدام توفر الحد الأدنى من البنى المؤسساتية، واتساع رقعة الفقر والعوز، ونقص شامل في كل البنى التحتية بما فيها القطاع الصحي بعد جائحة كورونا، لكن كل المؤشرات لا توصل للثورة التي سارع البعض لاعتبارها قاب قوسين أو أدنى، لكنها اختفت مع ليالي الانتخابات الأسدية، وقد تختفي أيضا بمناسبات أسدية أخرى.
ثمة أوجاع وجوع وانهيار ومؤشراته تتوافر كل يوم، لكنها للأسف تبدو كخيوط لعبة يديرها الأسد وحلفاءه، للاستثمار بها في محطات تالية، ربما السؤال الصعب لماذا يفعل ذلك النظام؟.
الطبيعي لا يفتعلها بمقاصد، لكنه قادر على ضبط أدوارها، وصورها ومشاهدها، ولديه من الأدوات داخليا وخارجيا، ما يعينه عليها، ولديه من الأساليب والدناءة أن يوظفها لخدمته ليبقى سؤال بوتن حاضرا.
كل الخيارات مفتوحة، مع نظام الأسد وحلفاءه، فاللعب على " حافة الهاوي" سياسة ميزته، وان كانت مؤشرات الانهيار تلوح بالأفق واقعيا، لكن مكابرته ودعم حلفاءه تبقيه، فإن أيام "سوداء" تنتظر السوريين، ستخلق باستمرارها أزمة غير مسبوقة في المجتمع السوري وستغدو تحولاتها و"خضاتها" عناوين إعلامية مثيرة، لكنها لن تكون ثورة.