لا متغيرات واضحة في الملف السياسي السوري العالق منذ عقد، سوى ما انتهى إليه نظام الأسد مع مسرحيته الانتخابية، ورفض غالبية المجتمع الدولي، لوقائعها المخالفة أصلا لمضامين قرارات مجلس الأمن الدولي.
ومنذ نهاية الجولة الدستورية الخامسة، ثمة انسداد ملحوظ بواقع التعاطي السياسي، سواء دوليا أو سوريا، فالحل السياسي الذي ينشده الجميع، ويتفقون على ضرورته، يصطدم بمعوقات، منها السوري ـ السوري، وغالبها دولي بتجاذباته ومصالحه وجيوشه، التي تموضعت على الأراضي السورية، محاصصة ومناطق نفوذ.
لم تتحرك القوى السياسية المعارضة وتقدم أي جديد، على الساحة السورية، باستثناء مؤتمر "جود" المحاصر بتوافقات أعضاءه، من القيادات السياسية المعارضة، والتي يغلب عليها " التاريخية"، دون مفاعيل وقوى على الأرض السورية، وحصار" جود" بفعل تواجده بمناطق سيطرة النظام، وهو ما أوضحه تعطيل مؤتمره، وإصابته بالشلل، باستثناء بعض البيانات الصحفية، فيما تراوحت ردود المعارضة الخارجية، رغم فضاء الحرية للعمل السياسي مقارنة بالداخل، بتكرار المواقف الشاجبة والتنديد، ومطالبة المجتمع الدولي بحل المأساة السورية، دون وضوح لحجم قواها وأعضاءها، وقدرتها على تحريك شارعها وأدواتها، في سياق التلويح أو التطمين للقوى الراغبة، أو المضادة للثورة السورية، فبقيت هي الأخرى أشبه بنمور من ورق، لا أظافر لها ولا قوة حركة، يتآكلها التفكك اليومي والنزعات الفردية بين" زعمائها".
ومع تكرار مساحة الانسداد، يعود الحديث عن جولة جديدة للدستورية، المرفوضة شعبيا، دون توافق على بدائل، تحقق الحدود الدنيا من توازنات بين اللاعبين على الساحة السورية، سواء لجهة الإقليمين أو الدوليين وليس آخرهم السوري ـ السوري، وهو ما سيفتح نار المواجهة بين الرافضين وبين القوى السياسية المتمثلة بالدستورية، ورؤيتها أن خيارات يمكن المفاضلة بينها، في إعادة لسيرة أجدادهم مع بواكير استقلال سوريا" ليس بالإمكان أفضل مما كان".
تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، توحي أن التفاوض هو الطريق والخيار المتاح، بالقول:" إنه يمكن إجراء انتخابات مبكرة في سوريا إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق بخصوص الدستور".
كما يواصل المبعوث الأممي غير بيدرسون, محاولاته الدؤوبة لإحياء ملف اللجنة الدستورية, طالما ناشد في غالبية إحاطاته أمام مجلس الأمن، أن "الخيارات تضيق"، وانتهى قبل شهور من متابعة جولة آستانة الأخيرة، فزيارة الدول الإقليمية وصولا لدمشق، وتوزيع مقترحاته التي كشف عنها الصحافة، مقترحًا لجدول أعمال الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، ساعيًا بذلك إلى التوسط لكسر حالة اللا توافق الحاصلة بين النظام والمعارضة، وذلك بعد تقديم النظام مقترحين في وقت سابق، في حين قدّمت المعارضة مقترحًا مضادًا لأحدهما واعتراضا على صياغة آخر.
لا توقعات ايجابية في الأفق، ولا حلول عاجلة، ومؤشرات المتغيرات" الصفرية" لا تبعث على قراءة متغيرة بواقع الحال، باستثناء اللقاء المرتقب بين بايدن وبوتين وما سيناله الملف السوري من ملفات عديدة ستوضع على طاولة الرئيسين الاميريكي والروسي، وقد تكون " الخواتيم " المنتظرة، أشد سوداوية مما سبق، فمع تقدم الوقت ستثبت قواعد الاشتباك، وهو ما يعني التقسيم غير المعلن، مع تمسك وفد النظام بممارسة التعطيل والتسويف، وسنشهد مزيدا من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في الضفتين المعارضة والمؤيدة.
ثمة بارقة يمكن التعويل والبناء عليها، أن تتوافق الولايات المتحدة وروسيا، على مصالحهما في سورية، والدفع بإنضاج الحوار المغلف بالسوري - سوري خلال جولة الدستورية السادسة، ومنح الدعم للمبعوث الأممي لتنفيذ مقترحاته، وتحريك العملية السياسية، مع انطلاقة الجولة وختامها بمؤشرات واضحة الدلالة والموقف، فتصل الرسالة لجميع الأطراف باعتباره الحل المتاح والمتوجب كما شهدنا بالحالة الليبية من تقدم بالعملية السياسية.
دون ذلك أميل للتشاؤم أن لا أمل يرتجى لا من المعارضة برسميتها أو قواها الشعبية، ولا من الحلفاء والأصدقاء، وما علينا إلا ربط الأحزمة بانتظار سلسلة صدمات ونكبات ومواجهات، كنتائج لغياب الأفق السياسي، ووصول المشهد السوري لذروته قبل الانفجار المدوي.