«نحن في قارب واحد»: الدروز في بلدة سورية تهزّها أعمال العنف يوافقون على نزع سلاح الميليشيات

السويداء
السويداء

بعد أيام من العنف الدموي الذي أودى بحياة العشرات، توصّل زعماء الطائفة الدرزية في بلدة أشرفية صحنايا، جنوب دمشق، إلى اتفاق مع السلطات يقضي بنزع سلاح الميليشيات المحلية ودمج عناصرها ضمن القوات الحكومية. خطوة قد تبدو كمخرج من دوامة العنف، لكنها لا تخفي شكوكاً عميقة لدى السكان.

في صباح الجمعة، شقّت سيارة رباعية الدفع سوداء طريقها عبر البلدة كسمكة قرش وسط قافلة من الشاحنات المحمّلة بالمسلحين، تحت أصوات صفارات الإنذار. كانت القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على البلدة بعد أن تحوّلت لساحة قتال طائفي استمر يومين، في مشهد كشف هشاشة قبضة السلطة الجديدة في البلاد.


في قاعة دينية فسيحة، جلس مسؤولان حكوميان إلى جانب شيوخ الطائفة الدرزية، بعمائمهم البيضاء ذات القمم الحمراء، يتحدثون عن المصالحة والوحدة. قال جميل مدوّر، أكبر مسؤول في المنطقة:

“نحن جميعاً في قارب واحد، وإذا غرق، لا سمح الله، سنغرق جميعاً”.

لكن هذه الكلمات، رغم تكرارها سابقاً، جاءت هذه المرة مدعومة بالفعل.

فبعد رفض طويل من ميليشيات الدروز في الجنوب السوري، القريبة من الحدود مع إسرائيل، الانضواء تحت سلطة الحكومة الإسلامية الجديدة، وافق قادة محليون في أشرفية صحنايا على تسليم السلاح مقابل وعود بالتحقيق في الانتهاكات التي وقعت أثناء المعارك، وإدماج عدد من المقاتلين ضمن صفوف الجيش.

وقال الشيخ أبو ربيح حاج علي، كبير مشايخ الدروز في البلدة والبالغ من العمر 86 عاماً:

“يجب أن نحب بعضنا البعض، ونقف إلى جانب بعضنا البعض. لا نريد حمل السلاح، ولا نريد أن نكون ضد الدولة”.

هذا الموقف كان ما تنتظره الحكومة منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، على يد تحالف من الفصائل السنية المسلحة، بعضها يحمل توجهات متطرفة لا تزال خارج السيطرة الرسمية. لكن رغم التغيير السياسي، تبقى الشكوك حاضرة بقوة في أوساط الأقليات الدينية والإثنية في البلاد، ومنهم الدروز، خاصة في ظل تكرار الهجمات الطائفية.

ففي هذا الأسبوع، انتشر تسجيل صوتي مفبرك نسب لأحد رجال الدين الدروز يسيء للنبي محمد، ما دفع جماعات متطرفة إلى مهاجمة الدروز، خاصة في أشرفية صحنايا. وأسفرت الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 101 شخص، بينهم عناصر من الجيش والمقاتلين الدروز ومدنيين، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

البلدة، المعروفة بتعايش سكانها من مختلف الطوائف، تحوّلت إلى ساحة معركة. سقطت القذائف على المنازل، وضربت الطائرات المسيّرة أهدافها، واختبأ الأهالي داخل بيوتهم بينما اشتبكت ميليشيات درزية محلية مع القوات الحكومية ومسلحين سنة متطرفين.


التدخل الإسرائيلي جاء سريعاً، بحجة حماية الطائفة الدرزية، التي تربطها علاقات قوية بدروز إسرائيل. فشنّت إسرائيل ضربات جوية استهدفت مواقع للحكومة السورية.

يقدّر عدد الدروز في الشرق الأوسط بأكثر من مليون نسمة، يتوزعون بين سوريا ولبنان، وأعداد أقل في الأردن وإسرائيل، ويتبعون مذهباً باطنياً متفرعاً عن الإسلام.

في اجتماع الجمعة، بدا أن الجراح لا تزال نازفة.

أحد الحضور قاطع الحديث مطالباً بضمانات أمنية حقيقية، واتهم القوات الحكومية بذبح المدنيين. فردّ المسؤولون الحكوميون داعين للصبر.

قال جميل مدوّر:

“نعدكم بحياة أفضل. ما يصيبكم يصيبنا. من واجب الحكومة حماية الجميع”.

البعض اقتنع.

صالح مكيكي، ابن شقيق الشيخ حاج علي، الذي فقد خمسة من أقاربه خلال المواجهات، قال إنه مستعد للمضي قدماً:

“ارتُكبت أخطاء، لكن لدينا الآن تطمينات”.

وأعلنت الحكومة لاحقاً الإفراج عن 32 شاباً من أبناء البلدة، في استجابة لمطلب درزي رئيسي.

لكن خارج قاعة الاجتماع، لم يكن الإجماع موجوداً.

من نافذتها، كانت بهيرة حاج علي (42 عاماً) تراقب الشيخ وهو يغادر، وقالت:

“من الجيد أن رجالنا قاوموا. لا يمكنكم تخيل الأصوات… قذائف وطائرات مسيّرة”.

وأضافت أنها لا تثق كثيراً بالحكومة، إلا إذا كان الجنود من أبناء البلدة أنفسهم.

وختمت:

“سلاحنا هو أماننا… لا يجب التخلي عنه”.

في وسط البلدة، لا تزال آثار الرصاص والزجاج المحطم تملأ المكان، والانقسام مستمر حول الجهة التي بدأت بالعنف.


بعض السنّة قالوا إن الميليشيات الدرزية هاجمت نقاط التفتيش رداً على هجوم استهدف بلدة مجاورة، بينما أصرّ بعض الدروز على أن المتطرفين السنّة هم من بدأوا.

وفي ساحة البلدة، وبعد صلاة الجمعة، تجمّع عشرات الشباب وهم يلوّحون براية هيئة تحرير الشام، الفصيل السني الذي بات يسيطر على البلاد منذ إسقاط النظام.

هتفوا:

“واحد، واحد، واحد… الشعب السوري واحد”

لكن في كثير من الأحيان، كان تركيزهم على الطائفة لا الوطن:

“نحن السنّة… قائدنا للأبد سيدنا محمد”.

مقال منشور بصحيفة النيويورك تايمز

https://www.nytimes.com/2025/05/03/world/middleeast/syria-druse-sectarian-violence.html

عن المراسلين:

فيفيان يي مراسلة “نيويورك تايمز” في الشرق الأوسط ومقرها القاهرة.

هوايدة سعد مراسلة ميدانية.

نانا هايتمن مصوّرة صحفية وعضو في وكالة “ماغنوم”، وكانت من المرشحات النهائيّات لجائزة بوليتزر في 2024.