سوريا تسعى لتفكيك آخر شبكات التهريب المرتبطة بإيران

داخل أحد المواقع التابعة للمليشيات الإيرانية
داخل أحد المواقع التابعة للمليشيات الإيرانية

دمشق – تواصل السلطات السورية الجديدة جهودها لقطع ما تبقى من “الجسر البري” الذي كانت تستخدمه إيران لنقل الأسلحة والأموال إلى حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، في إطار مساعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي.

على الحدود السورية اللبنانية، وتحديدًا في بلدة حوش السيد علي، كان قائد عسكري سوري يُدعى ماهر الزيواني يتفقد الوضع الأمني حينما قُطع الاتصال اللاسلكي بتحذير صاخب من مقاتلين سوريين على دراجة نارية: “حزب الله! حزب الله أطلق النار على أحد رجالنا!”، فيما تبعهم سيارة ملطخة بالدماء.

هذه الحادثة جاءت ضمن سلسلة اشتباكات وقعت مؤخرًا بين القوات الحكومية السورية ومهربين في المناطق الجبلية الحدودية، حيث تسعى دمشق إلى القضاء على مسارات التهريب الممتدة على طول 375 كيلومترًا من الحدود مع لبنان. هذه الطرق كانت تمثل الشريان الحيوي لإمداد الميليشيات المدعومة من إيران، بالأسلحة والمخدرات والوقود والأموال، كما كانت ركيزة لدعم نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

لكن المشهد تغيّر بشكل جذري بعد الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي، في تحوّل اعتُبر ضربة موجعة لطموحات إيران في سوريا، وقطعًا كبيرًا في خطوط الإمداد إلى حزب الله في لبنان.

زيارة ميدانية أجراها مراسلو “واشنطن بوست” إلى مواقع استراتيجية كانت تُستخدم سابقًا في عمليات التهريب، كشفت عن آثار انسحاب سريع، ودمار في مواقع كانت تعد من أبرز معاقل حزب الله والميليشيات الإيرانية، من حوش السيد علي إلى قواعد مهجورة في القصير وتدمر.


إيران تبحث عن بدائل

مع تراجع نفوذها في سوريا، تشير تقارير استخباراتية أوروبية وإقليمية إلى أن إيران بدأت تتجه إلى جماعات سنية متطرفة، من بينها فصائل مرتبطة بتنظيم “داعش”، في محاولة لإعادة تشكيل شبكة الإمداد وزعزعة الاستقرار في البلاد بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع.

وفي هذا السياق، شهدت الحدود السورية اللبنانية توترات متصاعدة، إذ قالت مصادر أمنية إن محاولات ميليشيات موالية لحزب الله لفتح مسارات تهريب جديدة أدت إلى اشتباكات مع الجيش السوري، أبرزها في حوش السيد علي، حيث قُتل ثلاثة جنود سوريين في هجوم شنته عشائر محلية يُعتقد أنها على صلة بحزب الله. وردّت القوات السورية بنشر تعزيزات ضخمة قادمة من محافظة إدلب.

رغم إعلان هدنة، إلا أن إطلاق النار استمر، فيما أعرب القائد العسكري الزيواني عن انعدام ثقته في الجيش اللبناني لحماية الحدود، قائلاً: “لا أثق بهم حتى بنسبة 1%”.


مراكز تخزين الأسلحة والمخدرات

منطقة الحدود تحوّلت خلال الحرب الأهلية السورية إلى مركز لوجستي رئيسي لحزب الله. ففي مدينة القصير، عُثر على 15 مصنعًا لإنتاج “الكبتاغون”، المخدر الذي يُعد مصدرًا ماليًا مشتركًا بين الحزب ونظام الأسد. كما تحوّلت المنطقة الصناعية إلى مستودع ضخم للأسلحة، قبل أن تتعرض لغارات جوية إسرائيلية.

وقال مسؤول أمني محلي: “المنطقة كانت تعج بصواريخ إيرانية”، مشيرًا إلى أن مباني كاملة خُصصت لتدريب عناصر الحزب وتخزين العتاد. ومع تقدم القوات الإسلامية القادمة من الشمال، انسحب مقاتلو حزب الله دون مقاومة تُذكر.

وفي تدمر، كشفت قوات الأمن عن وجود مئات المقاتلين من “لواء الفاطميون” — ميليشيا أفغانية شيعية مدعومة من إيران — كانوا يتمركزون في فنادق مهجورة تحوّلت إلى قواعد عسكرية.


التهديد الإيراني مستمر

رغم هذه الانتكاسات، لا تزال بعض عناصر الشبكة الإيرانية تنشط داخل سوريا، إذ صادرت السلطات أكثر من 12 شحنة متجهة إلى لبنان، من بينها طائرات مسيّرة مخبأة داخل شاحنات أعلاف.

وتواجه الحكومة السورية تحديات أمنية متعددة، من بينها اتهامات بتورط إيران في تأجيج العنف الطائفي على الساحل، عبر دعم هجمات نفذها موالون للنظام السابق. ورغم غياب الأدلة المباشرة، إلا أن مصادر أمنية أوروبية تؤكد أن إيران تسعى لزعزعة الاستقرار من خلال جماعات متطرفة سنية.

وقد أُلغيت زيارة لوزيري داخلية ألمانيا والنمسا كانت مقررة إلى دمشق في مارس الماضي، بعد ورود تهديدات أمنية من عناصر تابعة للنظام السابق، بحسب مسؤولين غربيين.

ويُذكر أن إيران درّبت مقاتلين من “جبهة البوليساريو” في الجزائر، بعضهم محتجز حاليًا لدى الأمن السوري، بحسب مصادر إقليمية وأوروبية.

وفي ظل هذا المشهد المتقلب، تبقى الدولة السورية الجديدة في صراع مفتوح مع شبكات نفوذ إيرانية لا تزال تحاول البقاء عبر التحالفات الموازية والعمل مع شبكات تهريب ذات طابع إجرامي.

ساهم في هذا التقرير هاني الأغبر في حوش السيد علي وتدمر ومحمد الشمة وسوزان هيدموس في بيروت.

https://www.washingtonpost.com/world/2025/04/12/syria-iran-hezbollah-weapons-smuggling/