لم يكن لنظام الإجرام في سوريا أن يسقط لولا التضحيات الهائلة للسوريين، فهذا النظام الذي بنى بقاءه على صدر السوريين بإحصاء كل نفس يتنفسون، وكل حركة يتحركون، وكل كلمة يتفوهون، وكل لقمة عيش يبتلعون، وكان الوصول إلى خلعه دونه أغلال وأهوال، وعذاب وتعذيب، وجوع ودموع، ودماء وبلاء، وتفجير وتهجير، ودمار وذمار وبحار. فهناك من واجهه بسلاحه، ومن عارضه بقلمه، ومن وثق جرائمه بفطنته. وفي الملحمة السورية برزت أسماء باتت أيقونات للثورة، من هذه الأسماء من قتل تحت التعذيب، أو أصيب في المواجهة المفتوحة مع النظام، أو مات حزنا وكمدا. وإذا أردت ذكر أسماء الذين سطروا ملاحم هذه المواجهة غير المتكافئة بين نظام يمتلك كل أجهزة القمع، والسفك، والسحق، والدمار، لامتلأت آلاف الصفحات والروايات بدءا من مجزرة سجن تدمر، وحماة، ومرورا بكل المجازر في أركان سوريا الأربعة. أقتصر هذه الأسماء بأيقونات كأمثلة عن تضحيات تمثل كل الشعب السوري. فحمزة الخطيب هذا الطفل الجريء الذي قتل تحت التعذيب الوحشي افتتح نضالات الشعب السوري، وأطلق مع رفاقه شرارة الثورة السورية، حسين هرموش أول الضباط المنشقين عن جيش النظام الهمجي وتشكيل نواة الجيش السوري الحر الذي قتل تحت التعذيب. إبراهيم القاشوش منشد الثورة الذي قتل واقتلعت حنجرته وألقيت جثته في نهر العاصي. مي سكاف صاحبة كلمة :" سوريا العظيمة وليست سورية الأسد" ماتت كمدا وحزنا في مهجرها في باريس. عبد الباسط ساروت ملهب النفوس في الثورة السورية وقائد للمظاهرات ومنشد الأغنية الشهيرة:" جنة، جنة، جنة يا وطننا" قتل بقصف من النظام، فريد المذهان أو"القيصر" وهذا المساعد في الشرطة العسكرية قام بعملية جريئة جدا، وساهم مساهمة فعالة في كشف جرائم النظام المروعة بحق المعتقلين، فبحكم مهنته كمصور كان يصور كل جثث الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب، وإزاء هذه المشاهد الوحشية التي لا تمت للإنسانية قام هذا البطل المتحدر من مهد الثورة السورية المجيدة درعا بتوثيق عشرات الآلاف من الصور لجثث المعذبين وقام بتهريبها إلى أوربا ثم إلى أمريكا وقدمها لأعضاء الكونغرس، ولإدارة الرئيس باراك أوباما، وكانت سببا في إصدار قانون قيصر الذي تم بموجبه تطبيق العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، والتي كان من شأنها إضعاف النظام ومصادر تمويل جشيه ومخابراته وساهمت في نهاية الأمر بإسقاطه. وقد قامت قناة الجزيرة بالكشف عن هويته ضمن برنامج "للقصة بقية" وسرد في مقابلة حصرية كيف تمكن من الهرب من سوريا وهو يحمل هذا الكنز من الوثائق الدامغة التي تدين النظام وتفضح جرائمه اللاإنسانية. شكرا لقيصر، وكل من لم يقصر في أسقاط نظام الإجرام.