يعلم السوريون والعراقيون، بمن فيهم الأعضاء في حزب العربي الاشتراكي الذي حكم البلدين ولا يزال مستمراً في سوريا، بأن الحزب إنما هو واجهة لنظامين استبداديين ودكتاتورين متعطشين للسلطة، ووسيلة للسيطرة على المجتمع، من خلال تأطير قسم منه ومنحه امتيازات، وتسليطه على من تبقى من المواطنين؛ للرقابة عليهم والوشاية بهم وقمعهم، ليستمر الدكتاتور في الحكم، بالاستفادة من ضرب أفراد المجتمع ببعضهم البعض.
يقترن اسم حزب البعث في سوريا والعرق بأسوأ أنواع القمع والانتهاكات التي عرفتها البشرية، إذ لا يكاد يمر يوم منذ إعلان استلام الحزب مقاليد الحكم في البلدين، إلا وتكون هناك ذكرى لكارثة ما، سواء على الصعيد الشخصي للمواطنين أو على الصعيد الوطني العام، تعكر صفو الحياة فيهما، وتعزز دوافع العمل على التخلص من الحزبين وبناء مستقل مختلف.
في إقليم كُردستان العراق، الذي عانى مواطنون الكُرد من الويلات على أيدي نظام البعث بقيادة صدام حسين، يحيي العراقيون اليوم الذكرى الثالثة والثلاثين لجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية، عندما أقدم النظام على دفن آلاف المدنيين الكُرد أحياء في مقابر جماعية، من ضمن أكثر من مئة وثمانين ألفاً تمت إبادتهم، في عملية أطلق عليها اسم "الأنفال"، وهي كلمة مأخوذة من القرآن الكريم، لم يتورع النظام عن اطلاقها على جريمة تندى لها جبين البشرية.
قبل ذلك بقليل، أصدر فريق التحقيق وتحديد المسؤولية في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريراً جديداً، حمَّل بوضوح نظام الأسد المسؤولية عن الهجوم بأسلحة كيمياوية ـ مادة الكلور ـ على مدينة سراقب، في الرابع من شباط 2018، وهو واحد من عدد كبير من الهجمات الكيمياوية التي شنها النظام على المواطنين السورية، وقع عدد منها في الغوطة الشرقية، وراح ضحيتها آلاف المدنيين، من بينهم أطفال ونساء، علماً بأن البعث العراقي لم يتورع بدوره عن استخدام الأسلحة الكيمياوية، وكانت أشهر هجماته في مدينة حلبجة، والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل خمسة آلاف مدني كُردي.
لم يستطع البعثيون في سوريا والعراق التعايش معاً، فالحزب الذي حمل الاسم ذاته، وعمل حسب المنطلقات الفكرية ذاتها، انقسم على نفسه وصار لكل بلد حزبه الخاص المرتبط بالحاكم، وأدى الصراع على الشرعية بين النظامين إلى عداوة مستفحلة بينهما، ظهرت على شكل حرب إعلامية مستعرة وعمليات تفجير وقطيعة دفع ثمنها مواطنيهما. إلا أن أسوأ حروب نظامي البعث كانت على مواطنيهما، والتي يستحق حزب البعث بسبب نتائجها كارثية، إطلاق لقب حزب الأنفال والمقابر الجماعية والأسلحة الكيماوية عليه.