يكاد المرء لا يعثر على متفائل واحد، من إمكانية تحقيق الحوار الكُردي السوري الذي انطلق قبل أكثر من عام، بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطية، أيَّ اختراق ويصل إلى نتيجة، بعد أن أدخلته الأحداث الخارجية في مرحلة الموت السريري، علماً أن الأوضاع في المنطقة لم تكن على خير ما يرام قبل توقفه. رغم ذلك، لا يتوقف المجلس الكُردي من التذكير بالحوار الكُردي وبضرورة متابعته، ويضع اشتراطات لإعادة انطلاقه؛ منها اعتذار الحزب عن تصريحاته المسيئة بحقه والاتفاق على جدول زمني لمعالجة ملفاته، دون توضيح الخطوة التالية في حال فشله في الوصول إلى نتيجة خلالها، وهي الفشل المتوقع حسب واقع الحال، سواء مع وجود جدول زمني أو بدونه.
عندما أُطلقت مبادرة "وحدة الصف الكُردي"، وسمح حزب الاتحاد الديمقراطي للأحزاب الكُردية بفتح مكاتبها، بعد سنوات طويلة من القمع والمنع، كان ختامها حرق العشرات من تلك المكاتب؛ من قبل وحدات عسكرية وأمنية ومدنية تابعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، كان الحزب يعيش مرحلة هزائم عسكرية وتراجع في الدور، بعد العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات، وما رافقها من تفاهمات تركية ـ أمريكية وتركية روسية، قضت بإخراج وحدات الحزب العسكرية وسلاحها خارج المنطقة الحدودية السورية مع تركيا لمسافة ثلاثين كيلومتراً، في وقتٍ كان ملف الحرب على تنظيم داعش قد وصل إلى مرحلته النهائية، ما دفع الحزب إلى البحث عن غطاء جديد للبقاء في المنطقة، بعد أن خلعته ـ أو كادت ـ مغامراته مع اللاعبين الكبار، والذين كانت آخر اهتماماتهم مكافأته على الخدمات التي قدمها، بعد أن انتهى دوره.
لم يكن لدى المجلس الوطني الكُردي ما يخسره، عندما قدم له حزب الاتحاد الديمقراطي عرضاً للمفاوضات وسمح لأحزابه بفتح مكاتبها، وهو الخطوة التي كان بمثابة طوق نجاة بعد أن أوصله قمع الحزب ـ أو كاد ـ إلى مرحلة التلاشي، لولا بعض أوراق القوة الخارجية التي يمتلكها، وهي وجوده في الائتلاف السوري المعارض وعلاقاته مع إقليم كُردستان التي تمده بأسباب البقاء، لذلك تعامل المجلس مع عرض الحوار بانفتاح كبير وسارع إلى فتح مكاتبه، ثم وضع جدولاً طموحاً للمفاوضات، لم تصل رغم جولاته المتواصلة خلال أكثر من ثمانية أشهر إلى القضايا الرئيسية، وبقي يراوح في مكانه، إلى أن عاد حزب الاتحاد الديمقراطي إلى أسلوب اقتحام المكاتب وحرقها وإغلاقها، واختطاف كوادر الأحزاب المنضوية تحت سقفه، كجزء من السياسات التصعيدية لحزب العمال الكُردستاني في إقليم كُردستان، وعلى رأسها مهاجمة قوات البيشمركة والامتناع عن الانسحاب من منطقة سنجار تطبيقاً لاتفاق عراقي داخلي بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة الإقليم، لتتوقف المفاوضات مع تصعيد إعلامي بين طرفيه.
لم تنطلق المفاوضات بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، لأسباب تتعلق بمصالح الكُرد السوريين، بل تلبيةً لرغبة أمريكية في الاحتفاظ بقوات سوريا الديمقراطية بعد أن استثمرت فيها كثيراً، وأصبح بقائها بوضعها المعروف صعباً في ظل الاعتراضات التركية عليها، خاصةً أن دورها العسكري الرئيسي أصبح في مراحله الأخيرة، ولم يبق لها من مهام سوى رعاية المصالح النفطية لمختلف الأطراف بما يرضيها جميعها، ومتابعة معالجة ملف تنظيم داعش حتى حله نهائياً، لذلك أراد الأمريكيون إيجاد غطاء كُردي للحزب للاستمرار بالقيام بمهماته الأخيرة وعدم التشويش عليها، من خلال إشراك المجلس في إدارته، إلا أن الحزب أثبت قيامه بتلك المهام دون ذلك الغطاء، لذلك تراجع الاهتمام الأمريكي بالحوار الكُردي، ضمن توجه أمريكي عام تجاه المنطقة، ولم تعد هناك حاجة لحوارات شاقة لحل ملفات صعبة يبدو حلها مستحيلاً، وعلى رأسها الفصل بين حزب العمال الكُردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، بحيث أصبح وجود الحوار الكُردي مثل عدمه.