⁶
سادت حالة من الغضب العارم الأوساط الكُردية السورية في الأيام القليلة الماضية، بعد نشر صور جثة الشاب أمين عيسى، متزوج ووالد طفلين، وعليها آثار تعذيب وحشي يبدو أنه تعرض له وأدى إلى وفاته، بعد احتجازه ستة أسابيع في سجن تابع "للإدارة الذاتية الديمقراطية" المعلنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، والتي يتحكم بها ويديرها كوادر حزب العمال الكُردستاني التركي، ولم تهدأ مشاعر الغضب بل تصاعدت، مع توالي محاولات الإدارة تبرئة نفسها من الجريمة، إذ أن ما زاد الطين بلةّ كان، نشر القوات الأمنية التابعة للحزب بياناً قالت فيه، بأن الضحية تعرض لجلطة دماغية أدت إلى وفاته، ونشرت صوراً للجثة مع مقطع فيديو تم تصويره بعناية، بحيث لا تظهر فيه المواضع التي تعرضت للعنف وتشكل أدلةً عليه، وقد عزت الإدارة الصور التي نشرتها عائلة الضحية وقالت بأنها التقطتها فور استلام الجثة، إلى "تلاعب مغرضين بالصور عبر برنامج "الفوتوشوب"، وكان آخر محاولات الحزب التستر على فعلته، هي نشر تقارير طبية تخالف الواقع، الذي أمكن الوقوف عليه بالعين المجردة.
في الواقع، لم تكن جريمة القتل تحت التعذيب في الحسكة، هي الوحيدة التي ارتكبها الحزب التركي الذي يسيطر على الملف الكُردي السوري بعد بداية الثورة السورية، ذلك أن التعذيب سلوكٌ ممنهج يتبعه الحزب، ويمكن على سبيل المثال ذكر الصور المروعة لجثة الشاب حنان حمدوش، الذي احتجزته القوات الأمنية التابعة له في عفرين في الصباح التالي لعرسه قبل سبع سنوات، ثم سلمه جثة هامدة لذويه وعليها آثار تعذيب وحشي، حاول الحزب حينها تبرئة نفسه منه، بنشر روايات كاذبة حول إقدام الضحية على الانتحار وتقارير طبية مزيفة، كانت تتعارض مع الآثار الموجودة على الجثة؛ والتي تفضح تعامل غير انساني، كما يمكن التذكير بعشرات النشطاء الكُرد الذين أُرغم ذووهم على دفن جثثهم دون إلقاء نظرة عليها، أو الصمت وعدم الحديث عما شاهدوه من آثار تنكيل عليها، هذا بالإضافة إلى عشرات المخفيين قسرياً ويخشى أهاليهم وأصدقائهم أن يكونوا تعرضوا لمصير مماثل.
لا يعرف حتى الآن الأسباب التي دفعت قوات الآسايش/الأمن التي احتجزت أمين عيسى، إلى تسليم جثته وعليها كل تلك الآثار المرعبة، والتي فسرها البعض على أنها رسالة جديدة معمدة بالرعب إلى الكُرد، بأن مجرد الشك بأحدهم سيكون ثمنه غالياً، فقد يعود الأمر إلى سوء تدبير من حزب الـPKK، وواحد من سلسلة أخطاء تقع فيها إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي للمنطقة، مثل رفع أسعار الوقود والتراجع عنه في اليوم التالي، واتخاذ قرار بتجنيد أبناء منطقة منبج قسرياً ثم إلغائه، وآخر تلك السلسلة من القرارات المتضاربة، هو قرارات كثيرة تتعلق بفتح وإغلاق معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كُردستان خلال ساعات قليلة، وقد يكون ذلك راجعاً أيضاً إلى استمرار اعتداد الحزب بنفسه، ومراهنته على منسوب الرعب الذي زرعه وثقته ببقاء انتهاكاته طي الصمت وعدم إثارتها من قبل الضحايا، كما قد يكون الأمر خطوة أُخرى على طريق إعادة تسليم ما تبقى من المنطقة إلى نظام الأسد، تمهيداً لمغادرتها بعد انتهاء دوره، و إثباتاً لوجوده حتى ذلك الحين.
كانت الانتهاكات التي ترتكبها جهات أمنية وعسكرية تابعة للـPKK سابقاً، تقابل عموماً بردود أفعال بسيطة وقتها، ذلك أن الحزب كان في مرحلة بناء قدراته، بالإضافة إلى خروجه من معركة كوباني ضد تنظيم داعش، وقد نسب النصر فيها على التنظيم لنفسه، بحيث كان كثيرون مستعدون للصمت لعدد من الأسباب، تتراوح بين الأمل بتحقيقه شيء ما لحاضنته المفترضة حسب الشعارات التي كان يطلقها، والخوف من المعارك الوجودية التي أصبحوا يجدون أنفسهم في أتونها، والأزمات التي باتت تعصف بحياتهم المعيشية، بحيث بات الحزب خياراً قسرياً للنجاة من عواقبها الوخيمة، إلا أن الأمر تغير جذرياً، بعد الهزائم التي لحقت به، وصحوة معظم الكُرد المتأخرة على شعاراته؛ التي لم تجلب لهم سوى الموت والدمار.
ثمة معالجات موضعية يلجأ إليها حزب العمال الكُردستاني عادةً للخروج من الزاوية، مثلما يجد عليه نفسه حالياً، من ذلك التصعيد عسكرياً على إحدى الجبهات لصرف الانتباه عمل يجري، وقد بدأ بالفعل بالتصعيد على مسرح الجريمة في الحسكة، حيث استعان بـ"قوات الدفاع الوطني" لبدأ سلسلة من عمليات احتجاز متبادل للعناصر، إلا أن بدائية الأسلوب ووضوحه جعلته يتراجع وينهي الموضوع خلال ساعات، بترك العناصر المحتجزين من الطرفين يذهبون إلى حال سبيلهم، كما يلجأ الحزب أحياناً إلى التصعيد على الجبهة ضد إقليم كُردستان، إلا أن الظروف لا تبدو مواتية الآن، خاصة أن سلطات الإقليم الكُردي العراقي لم ترد عسكرياً على عمليات القتل والتفجير التي استهدف بها الحزب عناصر البيشمركة ومواطني الإقليم ومصالحه، بحيث لا يبقى أمام الـPKK سوى تفعيل ملف "الحوار الكُردي" العبثي مع المجلس الوطني الكُردي، والذي لا يؤمن به أساساً ولن يصل به إلى نتيجة، لكنه قد يتيح له نقل جزء من الضغوط وانتقادات الشارع الكُردي إلى المجلس، بسبب قبوله متابعة الحوار مع الحزب، في أجواء جريمة يصعب محو صورها من الذاكرة.