يتداول نشطاء منذ فترة، خبراً عن تصفيق الشعب الألماني بأكمله لمدة ست دقائق للسيدة ميركل، تقديراً لمصداقيتها في خدمة ألمانيا، غير أنني لم أجد رابطاً للخبر في وسائل الإعلام الألمانية، ولم أرى أو أسمع به خارج صفحات الفيسبوك، التي تعج به مع تعليقات من أصحابها الذين ينقلون الخبر عن بعضهم البعض، مع الثناء على المستشارة ميركل والتذكير بحسرة بسلوك الحكام الآخرين في الشرق، الملتصقين بالكُرسي، والذين لم يتركوا شيئاً ولم يفعلوه بشعوبهم وبلدانهم من أجل البقاء جالسين عليه.
تستحق السيدة ميركل الثناء بالفعل، وهي التي قادت ألمانيا خلال ستة عشر عاماً صعبة، مرت خلالها البلاد بمحطات مفصلية، منها خارجية تتعلق بتقديم المساعدة لليونان لإبقائها داخل الاتحاد الأوربي وخروج بريطانيا من الاتحاد على سبيل المثال، وداخلية كان منها القرارات الخاصة بموجة اللجوء غير المسبوقة إلى أوربا وخاصة إلى ألمانيا قبل خمس سنوات، ولعل آخرها ملف فيروس كورونا الذي يضرب العالم دون هوادة، واتخذت بشأنه قرارات مؤلمة للاقتصاد الألماني، نجحت حتى الآن في جعل الخسائر البشرية في مستويات يمكن التعامل معها.
لا تحظى سياسات السيدة ميركل بالإجماع في ألمانيا، مثلما هو الحال بالنسبة للساسة الآخرين في أوربا، إذ من المستحيل أن نجد "كامل الشعب" يصفق لأحد السياسيين مهما قدم لبلاده، فقد مضى ذلك العهد الذي كانت فيه الدولة تطبق على خناق السلطات الثلاث، وتملك وسائل إعلام حكومية تقوم بالدعاية للحاكم وتخفي أخطائه وتجملها، وأصبح الناس يلتفتون إلى مصالحهم الخاصة ويعملون على ضمانها عبر التصويت لمن يحققها لهم، وفي اللحظة التي تتأثر فيه تلك المصالح، نجدهم يلجؤون في الفرصة القادمة إلى تغييره، دون أن يتشكل رابط عاطفي بين الطرفين، يجعل المرء يبقي على حاكمه المحبوب على سدة الحكم، ويسكت على تعريض مصالحه للانتقاص.
جاء تخلي السيدة ميركل عن رئاسة حزبها، الحزب الديمقراطي المسيحي منذ بعض الوقت، واختيار خليفة لها للانتخابات البرلمانية المقبلة بعد خمسة أشهر، في أوقات صعبة تشهدها ألمانيا، كما أن شعبية حزبها الذي يقود التحالف الحاكم انخفضت كثيراً خلال الفترة الماضية، رغم ما يقال عن خدمات قدمتها للبلاد، وهي تعتبر ربما بعرف الشرق خدمات تستحق التصفيق حقاً، كونها تؤمن استمرار التأمين الصحي والمأوى ولقمة الخبز للمواطنين، لكنها ليست انجازاً للساسة الألمان بل من الأعمدة التي تقوم عليها الدولة الألمانية ويضمنها الدستور، أما السياسات الاقتصادية، فهي التي توضع في الميزان ويحاسب عليها السياسي خلال فترة حكمه، وهو موضع انقسام في البلاد.
يبدو محقاً، الحديث بإعجاب عن ساسة أوربيين ونشر صور لهم خلال التسوق أو الذهاب إلى العمل على دراجة نارية أو تلك التي تدل على عدم اهتمامهم بمظهرهم، وأحياناً وضع أحاديث مبالغ بها على ألسنتهم دون أن يكونوا تفوهوا بها، على سبيل المقارنة بينهم وبين أقرانهم في الشرق، الذين يعيشون ترفاً وتدمى الأُكف في التصفيق لهم، دون أن يكونوا يحققوا شيئاً لشعوبهم، لكن السياسي الأوربي مثل الحاكم الشرقي لا يصنعه التصفيق، بل عمله الموضوع تحت عدسة تحت النقد والمحاسبة، وإذا كان لا ينتظر التصفيق، فإن الأخير الذي يعاني من أزمة الشرعية يريده دليلاً على الولاء، حتى إذا كان كاذباً.