تحتفل شعوب كثيرة في آسيا الوسطى خاصةً، بعيد النوروز في يوم 21 آذار من كل عام، والذي يعني اليوم الجديد في اللغتين الكُردية والفارسية، وهو اليوم الذي يعتبر نهاية أشهر الخصوبة وبداية الربيع وتفتح الأزهار، أو ما يسمى بالانقلاب الربيعي لدى بعض الشعوب.
النوروز بداية السنتين الكُردية والفارسية
وبينما يعتبر النوروز عيداً للنار لدى الفرس وبداية للسنة الفارسية، والذين يحيونه منذ ما يقارب الـ1400 عاماً، ما عدا السنوات الأولى لنظام الحكم الحالي في إيران، وتحييه كذلك عدة شعوب آرية أُخرى مثل الآذريين والبشتون، يعتبر الكُرد عيد النوروز مناسبةً قوميةً خاصة بهم، فهم وحسب تقويمهم من أقدم الشعوب التي احتفلت بالنوروز كبداية للسنة الكُردية، وقد ربطوه بسعيهم المستمر إلى الانعتاق من العبودية، ونيل الحرية التي بقيت بعيدة المنال حتى الآن، والتي تتجسد بصورة الشمس الموجودة في وسط علمهم الملون.
حكاية عيد النوروز
وينفرد الكُرد لوحدهم عن الأقوام الأُخرى التي تحتفل بالنوروز؛ باعتباره عيداً ثقافياً أو دينياً، بوجود خلفية تاريخية للمناسبة، يجري التذكير بها باستمرار. وتقول الأسطورة الكُردية أن الملك الظالم "دهاك"، الذي كان يحكم قبل 2663 عاماً أُصيب بمرض عضال، حيث ظهر ثعبانين على كتفيه، وقد نصحته حاشيته بقتل اثنين من الشبان الكُرد كل يوم، واستخدام دمهما لتهدئة الأفاعي، إلا أن البطل الأسطوري "كاوا" الحداد، لجأ إلى خديعة لإنقاذ الشبان الكُرد، حيث كان يرسلهم خفيةً إلى جبال كُردستان، إلى أن جاء اليوم الذي تمكن فيه من قتل الملك الظالم بمطرقته، وأصدر إشارة للشبان المتواجدين على الجبال لإشعال نيران النوروز، ليشرق نهار اليوم التالي، الـ21 من آذار وقد تحرر الكُرد من الظلم، وعاد أبنائهم من الجبال.
طقوس عيد النوروز
تبدأ مراسيم عيد النوروز في مساء يوم العشرين من آذار بإشعال نيران النوروز، إحياءً لطقس إشعال الشبان الكُرد النار في جبال كُردستان قبل آلاف السنين. وفي اليوم التالي، يخرج الكُرد منذ الصباح الباكر إلى الطبيعة، وهم يرتدون اللباس التقليدي الكُردي، بينما ترتدي النساء الملابس الملونة المزركشة، وهناك يلتقون مع بعضهم البعض ويتبادلون الهدايا، ويتناولون الطعام والشراب معاً، ويقيمون حفلات وفعاليات ثقافية في الهواء الطلق، حيث تصدح الحناجر بالغناء وتنعقد حلقات الدبكة وتعرض مسرحيات تعبيرية على مسارح أُقيمت للمناسبة، ويبقون حتى مغيب الشمس.
المنع من الاحتفال
في الوقت الذي احتفلت فيه عدة أقوام بعيد النوروز، تعرض الكُرد للمنع من الاحتفال به، الأمر الذي دفعهم إلى التمسك بالمناسبة واعتبارها أحد أُسس القومية الكُردية، وربما كان لهذا المنع دوره في زيادة الربط بين الكُرد والعيد، واعتبارهم إياها عيداً قومياً كُردياً. وتعرضت مدينة حلبجة الكُردية في إقليم كُردستان العراق، لهجوم بالأسلحة الكيميائية قبل 33 عاماً من قبل النظام العراقي السابق، قبل أيام من إحياء نوروز عام 1988، ثم تحول العيد إلى عطلة رسمية في العراق بعد سقوط النظام. كما كان الاحتفال بالعيد ممنوعاً في سوريا، ومع غض السلطات النظر عن الاحتفال به منذ ثمانينات القرن الماضي، بقي المحتفلون الكُرد يتعرضون لمضايقات خلال الاحتفالات، وإلى عمليات إطلاق نار واعتقالات بين الفترة والأُخرى، بينما لم يعد الاحتفال بالعيد ممنوعاً في تركيا منذ عدة سنوات، في حين لم يشعر الكُرد في إيران بالمنع، كون الفرس يحتفلون به بدورهم.
النوروز عيداً للأم في سوريا
وأصبح يوم 21 آذار عطلة رسمية في سوريا اعتباراً من عام 1986، ولكن بمناسبة عيد الأم، وجاء ذلك بعد أن شهدت العاصمة دمشق مظاهرة احتجاجية على منع الكُرد من التوجه إلى أطراف المدينة للاحتفال بالعيد، وهي المظاهرة التي توجهت إلى القصر الجمهوري وواجهتها قوات الأمن بالرصاص، ما أدى إلى مقتل الشاب سليمان آدي "19 عاماً"، وإصدار الرئيس السوري السابق حافظ الأسد قراراً في مساء ذلك اليوم، باعتبار 21 آذار من كل عام عطلة رسمية بمناسبة عيد الأم!، ومع أنه أصبح بإمكان الكُرد التغيب عن العمل والاحتفال بالمناسبة، إلا أن قمعهم والمضايقات بحقهم لم تتوقف على خلفية المناسبة، من ذلك إطلاق النار على تجمعات كُرديات عشية نوروز عام 1988 في مدينة القامشلي، ما أدى إلى مقتل ثلاث شبان، كانت المصادفة أنهم ثلاثتهم يحملون اسم محمد، حيث أطلق نشطاء كُرد اسمهم على نوروز ذلك العام.
أول مشاركة حكومية سورية بعيد النوروز
وشهد نوروز عام 2011، والذي جاء بعد أيام من بداية الاحتجاجات على نظام الحكم في سوريا، أول مشاركة حكومية سورية بالاحتفالات. فقد توجه كبار المسؤولين في محافظة الحسكة إلى مراكز التجمعات الكُردية في المحافظة، وقاموا بتهنئة المحتفلين بالعيد، كما بث التلفزيون الحكومي السوري في سابقة هي الأولى من نوعها، فقرات من الاحتفالات والأغاني الكُردية، بينما ارتدت مذيعاته اللباس الفولكلوري الكُردي. من جهتها هنأت المعارضة السورية الكُرد بالعيد في ذلك العام، وقبل أيام من عيد نوروز الحالي 2021، أعلن الائتلاف السوري المعارض يوم 21 آذار عطلة رسمية في سوريا، بمناسبة عيد النوروز.
المنظمات الدولية وعيد النوروز
أدرجت منظمة الثقافة والعلوم "اليونسكو" في عام 2003، عيد النوروز على قائمتها التمثيلية للتراث غير المادي البشري، باعتباره عيداً "يعزز قيم السلام والتضامن فيما بين الأجيال وفي نطاق الأسر، فضلاً عن قيم المصالحة وحسن الجوار"، كما أعلنت الأمم المتحدة في قرارٍ لها عام 2010 "يوم نوروز الدولي"، ورحب القرار الدولي "بالجهود التي تبذلها الدول الأعضاء التي يُحتفل فيها بنوروز، من أجل الحفاظ على الثقافة والتقاليد المتصلة بنوروز وتطويرها" وشجع القرار الدول الأعضاء على بذل الجهود "للتوعية بنوروز وتنظيم مناسبات سنوية احتفالاً به".
تهاني من شخصيات دولية
وأصبحت الشعوب التي تحتفل بعيد النوروز، تتلقى التهاني كل عام من مسؤولين في المنظمات الدولية، وقادة كبار حول العالم. فقد هنأ الأمين العام للأمم المتحدة بعيد النوروز، وقال في رسالة له اليوم بمناسبة العيد: "إن نوروز هذ العام أكثر أهمية مما مضى، فهو فرصة للتجديد وتحقيق وضع أفضل وأكثر عدلاً وتناغماً"، وصدرت تهنئة من الرئيس الأمريكي بايدن بالمناسبة، وأُخرى من رئيس الوزراء الكندي ترودو، بينما اعتبر الرئيس التركي أردوغان، والذي يعيش ملايين الكُرد في بلاده، وكانت حكومته آخر المتسامحين مع الاحتفال بالعيد "النوروز رمزاً للأخوة والسلام"، وحيا جميع مواطنيه بالمناسبة، متمنياً أن: "يجلب عيد النوروز السلام والازدهار".