هل التصريحات التركية بالون اختبار.. الصلح المستحيل ومطالب قديمة

بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان(وكالات)
بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان(وكالات)

لا يمكن النظر الى تصريحات التركية التي عبر عنها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وأعاد التأكيد عليها الرئيس رجب طيب أردغان بالنزق السياسي والمواقف المتشنجة إنما بالقراءة السياسية المعمقة لرؤية هذه التطورات.

بعيدا عن سردية التواريخ والأيام نستطيع القول إن أي حل سياسي جزئي أم شامل لا بد أن ينطلق من المسار الدولي للقضية السورية الذي تم التعبير عنه في جنيف، بكل مستوياته ومساراته، بالتلازم مع القرارات الدولية والبيانات التي شكّل مضمون هذه القرارات مثل بيان جنيف 1 للعام 2012 الذي وضع اللبنة الأساسية للحل في سوريا، وجاء نتيجة وثمار سياسية للحراك العربي مع المعارضة وحراك المبعوث الأممي كوفي عنان الذي وضع نقاطه الست للحل، وتم تبنيها من روسيا وأمريكا في بيان جنيف المنوه عنه، ومضمون القرار هو المفاوضات بين النظام و المعارضة لإيجاد الحل وفق النقاط الست التي تعطي السلطة للشعب و تلغي النظام الاستبدادي و توقف مسلسل العنف و الاجرام و لم يهمل البيان و القرارات التي تلته حتى الرقابة الإعلامية على مسار الحل.

إن قرار السلام في سوريا اعتقد بالتحليل، إنه قرارٌ استراتيجي ومثل هذا القرار يحتاج لإرادة دولية ولعل مقولات أمريكية عابرة للسياسات تكون اختبارات لسلوك بعض الدول واستكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه مثل هذه الدول، فعندما تقول الولايات المتحدة في الاجتماعات الخاصة أن الحل في سوريا هو مناط بيد روسيا، لا يعني أبداً أن الحل روسياً إنما أن تبادر روسيا لطرح الحلول ومعها دول فاعلة مثل تركيا وايران والخليج لتضع الختم الأخير عليهاـ ولم يعد خافياً على أحد المسار الذي رسمته أمريكا للحل، حلاً سياسياً وانتقالا للسلطة دون هزات كبرى، ولا حل من دونه، وليبقى النظام يتخبط ويستجدي الحلول ويعاني من المجاعة حتى يستسلم لهذا الحل، ويدفع فاتورة القتل وادخال ايران وروسيا الى سوريا، وقد بدا واضحاً الاستجداء عند النظام من خلال المطالب التي قدمها لتركيا، منها العمل على خرق قانون قيصر، والثاني التوسط من تركيا لعودة النظام إلى الجامعة العربية! اعتقد جازماً أن المطلبين ليسا من صلاحيات تركيا وتحديداً الأول فقد جرت محاولات عربية وأهمها الامارات والاردن، وباءت المحاولتين بالفشل. حتى الرئيس الأمريكي لا يستطيع إلغاء قانون قيصر فهو قانون مشرع من الكونغرس الامريكي ويرتبط بمسار الحل السياسي وإحلال السلام في سوريا، إذاً لا بد من النظر إلى الحراك التركي من زاويته المنطقية وقياسه دفق المعطيات الممكنة والمتاحة وفي سياقات الدبلوماسية التركية وهي سياق الانتخابات واستخدام المعارضة قضية اللاجئين كورقة انتخابية ومخاطبة الرأي العام التركي أن لديها الحل عبر الحوار مع نظام بشار الأسد، فقال لهم اردوغان سنجرب لكم ونريكم أين تصلون بهذا الحل، سياق العلاقة الروسية التركية التي تأخذ منحى تطورياً وتمتنت أكثر بعد حرب بوتين على أوكرانيا والمقاطعة الغربية لروسيا، فشكلت تركيا البوابة الروسية حول العالم، وقد استفادت تركيا كثيراً من الحرب، إذ منحها ببوتين امتيازات فوق ممتازة، وبالتالي لابد أن يكون بوتين له مطالب، منها العلاقة مع النظام وهي مطالب قديمة، فاستغل أردوغان الفرصة ليهدي إلى حليفه الحالي بوتين هدية سياسية ويقول له في ذات الوقت انظر إلى الأسد لن يفعل شيئاً، لن يسمح لعودة الناس ولن يخرج المعتقلين ولن يظهر المختطفين قصرياً ولن يجري انتخابات نزيهة ولن .... وتعود الكرة لملعب بوتين، إماّ إجبار الأسد أو التخلص منه والبحث عن بدائل منطقية، وفي التحرك التركي رسالة إلى أمريكا والغرب للعودة الى تفعيل الاهتمام بالقضية السورية وإلا الحلول الأخرى يمكن تتحقق معي، ولكي تعيد أمريكا والغرب النظر بالأزمة التركية المتعلقة باللاجئين، وإهمال المعارضة، وبالتالي اعادة الزحم. وأخيراً الحراك التركي هو بالونات اختبار في جميع الاتجاهات، حتى للقلق السوري الذي جعل اللاجئ والمهجر فاتر بليد ينتظر، ليستفيق ويعيد نشاط بقضيته.

الخلاصة: الطرح التركي ليس صلحاً ولا يمكن أن يكون، وإنما إعادة طرح المسار السياسي وإن جاءت التعبيرات مختصرة، وهو رسائل تحريك واختبار، التطورات ستظهر إلى المدى الذي سنذهب اليه الدول، والعيون مركزة على النظام ماذا سيفعل وكيف سيتصرف أمام الجرأة السياسة التركية، غير أن يطلب من تركيا اعادته إلى الجامعة العربية، مع عدم الاعتماد على تصريحات المقداد الإيرانية في موسكو فلا بد أنه حمل رسالة روسية إلى رأس النظام، وننتظر المواقف القادمة، مع الإشارة على نظرة شخصية أنه لن يحدث شيء من النظام الذي يعرف حجم الملفات التي سيفتحها هذا التحرك، ويعرف أين سيأخذه أي مسار سياسي مطروح؟