في آخر لقاء للدكتور عزمي بشارة مع تلفزيون سوريا يوم الأحد ٩\٥\٢٠٢١ بدى بشارة باهتا، ومرر أفكارا متناقصة، أفكارا جاهزة اقرب الى التوجيه والتعليم منها الى التحليل وايراد المعلومات حول السياسات المتبعة تجاه سوريا، خالية من أي جديد يمكن للمتابع والمهتم أن يتعامل معها في تكوين المعارف والرؤى، ونحن أمام فوضى عارمة في السياسات، وتداخل وتعقيد الحلول المطروحة حول سوريا، فضلاً عن بداية القصف على الثورة والمعارضة في موقف مشابه لموقف العرعور منذ خمس سنوات عندما فتح النار على المعارضة، وأما المعلومات فقال أنه لن يذكرها لأنه لا يريد اليأس للشعب السوري، فما هي تلك المعلومات التي يخفيها، وهل المطابخ الدولية التي يعرفها بشارة تشتغل فقط على إحباط السوريين.
يبدو هذا الكلام عاماً يحتاج الى سرد الوقائع والأفكار التي تناولها بشارة في لقاءه المنوه عنه لذلك لابد من تبويب الأفكار (التوجيهية) التي طرحها ثم مناقشتها، وأهمها:
الثورة والمعارضة والشعب لم توجد البديل للنظام؟
المشكلة ليست في النظام لأنه انتهى ،والمشكلة في المعارضة؟
حزب البعث انتهى لم يعد له قيمة ،والميليشيا أصبحت أكبر من النظام.
الجيش لم يعد يسيطر على سوريا ؟
الثورة تحولت الى حرب أهلية
التناقص قائم بين النظام وقواعده.
الحصار الأمريكي هو على الشعب ؟
ليس للدول الفاعلة أي سبب للتخلي عن بشار سوى وجود بديل وحل دولي واقليمي؟
لا يوجد أي تحرك دولي نحو الحل.
لا يوجد بديل حقيقي في سوريا ليدخل في صفقة مع إيران وروسيا
التغيرات تحتاج الى فرضها.
الفصائل المسلحة تحولت الى امراء حرب وفصائل متطرفة؟
لم تنتج الفصائل قيادة موحدة وقيادة سياسية ولم تشكل بديلا.
بصراحة الثورة نادت بالطائفية وكان لدى العرعور قناة تلفزيونية والفصائل طرحت نظام حكم إسلامي.
الاكراد وادلب يشكلان خطر تشكيل كيانات سياسية.
المعارضة هي من تقول للدول تعالوا اضغطوا علينا والدول لا تريد.
لا يوجد مجموعة مستقلة لديها كرامة وطنية لا أحد يملي عليها.
أمريكا لا تمانع إن طبعت الدول مع النظام ؟
تمحورت الحلقة على فرضية واحدة، وتم ايراد الأفكار وسرد مجريات وتطورات الأحدث بناء على هذه الفرضية، وهي عدم وجود البديل للنظام، وهي فكرة، علها أخطر فكرة مررت منذ العام ٢٠١٦ ، واذكر حينها طرحت من مذيع الإخبارية السعودية عليَّ كسؤال، أن حجة الدول لا يوجد بديل، واليوم يعيد طرحها بشارة من جديد، وهي أكبر فكرة تضليلية تذرعية، للهروب من مواجهة المأساة السورية، تحمل فيروسها في ذاتها -بديل النظام، والنظام نظامُ أمني، عصابة، مافيا، متوحش، فهل المطلوب بديل يحمل ذات الصفات، عندها لماذا البديل؟ وإن أحسنا الظن وكان المقصود بديل النظام ، نظاما ديمقراطيا يقود دولة ويؤسس للديمقراطية وتداول السلطة، ويحمي وطناً ويؤسس لدولة مواطنة ، ويخلق تنمية اجتماعية ، ومؤسسات وقيم ، فهذا ضرب من الجنون وتعجيز وإعجاز ، وهروب وتهرب ، ولغو لا يردده مفكرون وسياسيون ورجال دولة، ومختصره: أن البديل الديمقراطي لا يأتي بكبسة زر، بل يحتاج لزمن عمل وبيئة مساعدة وأرض يعيش عليها الديمقراطيون؟ وشعب يعيش في سكنه، وبيئة آمنة، والبديل الديمقراطي يحتاج لديمقراطيين حتى من دعاة الديمقراطية، وهم يمارسون ممارسات إقصائية وإلغائية، والديمقراطيون لا يستوعبون رأيا مخالفا؟ فكيف بمن هم يكفرون الديمقراطية؟ وكيف هم الذين لم يستوعبوا فوائد الديمقراطية كطريق للعدالة ورفع الظلم وتكافؤ الفرص؟،
وكيف تطلب بديل ديمقراطي والناس تحت قصف الطائرات والبراميل، والناس في المخيمات ، والناس تحت سلطة أمن نظام الأسد ، والناس مشردون ونازحون ومهجرون، هل يوجد ديمقراطية بدون شعب؟
ورغم ذلك طرحت المعارضة مشاريع ووثائق عديدة حول النظام القادم وسوريا المستقبل وبقيت مشاريع في الهواء، وقامت مجموعات بتشكيل اتحادات ونقابات وتجمعات وبقيت معلقة في الهواء .... البدائل الديمقراطية ليست قصة رومانسية نكتبها ولا لوحة فنية نرسمها، ولا تصلح هذه الجملة لتكون لوحة سوريالية، فالسوريالية مدرسة قائمة على أسس وفلسفة. ث
م نتابع مع د. عزمي بشارة فيجزم أنه ليس لدي الدول الفاعلة أي سبب للتخلي عن بشار ونظامه لأنه لا يوجد بديل؟ لا يا سيد بشارة لدى الدول ألف سبب وسبب للتخلي عنه، وهذه الدول يمكن تقسيمها الى ثلاث فصائل ستأتي الى الحل وردا، الفصيل الأول الدول الغربية وهي تحمل القيم الديمقراطية والإنسانية وبشار ونظامه ثقبها اخلاقياً وسياسياً، وفصيل روسيا، النظام جعلها في حالة شلل سياسي، وفصيل الدول التي لا تريد نظام ديمقراطياً في سوريا أتعبتها الحالة السورية، وجميعهم اتعبهم بعلاقته مع إيران واتعب إيران بأنه لم يحقق له شيئاً؟ فالجميع في معادلة صفرية.
ثم يتابع د. بشارة ويقرر إنه لا يوجد أي تحرك دولي نحو الحل؟ فإن كان القصد تحرك علني ربما يستقيم الكلام، لكن الناس والنخب تتوقع من مفكر بوزن بشارة أن يكون عنده اتصالات دولية تجعله لا يطلق مثل هذه الاحكام القطعية، ويمكن القول ان التحركات الدولية لم تتبلور، أو أنه ما تزال مغلقة نتيجة تضاد الملفات، أو أن الحل السياسي من بدايته كان في مأزق، أو أن الحل السياسي يحتاج لقوة لفرضه، أو أي جملة معبرة عن الواقع السياسي للتحركات الدولية وهي قائمة ودائما تحاول أمريكا اختراق الجدار المسدود، وعلى السوريين الصبر حتى تتعب القوى المعادية لإرادة التغيير وتستسلم.
ثم يتابع بشارة فكرة عدم وجود البديل لتتسق في مغالطتها للواقع، ويرى ان لا يوجد بديل حقيقي في سوريا ليدخل في صفقة مع إيران وروسيا؟ وهل الصفقة ستكون بين المعارضة والثورة مع روسيا وإيران والعالم سينقل مجريات هذه الصفقة ويتفرج عليها ثم يطيع؟ لا الصفقة أكبر من المعارضة والثورة والدول الإقليمية حتى؟ ورغم ذلك ذهبت المعارضة وقسم منها الى الاستانة والتزمت الفصائل على الأرض بمسارها فما الذي حدث.
وأما المشهد الأخير في فيلم البديل قكان غير متسق أبداً في السيناريو فكاتب السيناريو الجيد يجعل المشهد الأخير مختلفاً إما بطرح جديد او بموت أحد الابطال المتصارعين وإما ان يترك النهايات مفتوحة أما أن يقوم كاتب السيناريو بتغير مشاهد في السيناريو بعد ان أصبح فيلماً يعرض على الشاشات فهذا ضعف كبيراً لا يختلف عن استخدام المخرج الفلاش باك في أفلامه. فكان المشهد الأخير اذهبوا لتأسيس نقابات واتحادات؟ ليتك وضعت الشارة قبل المشهد الأخير ... لأنك قلته (المشهد الأخير) في مكان آخر مما أضر بالبناء الدرامي لفيلمك، قلته في دكتور عندما قلت إن الإدارة الامريكية لا تمانع إن طبعت دول مع النظام؟
ولا اعرف كيف حضرت هذه الصورة الى ذهنك وتسللت الى النطق، حتى المعلن في السياسة الامريكية يقول غير ذلك، والمخفي كذلك، وقراءة الصراع الدولي والسيطرة العالمية كلها تقول غير ذلك، وكأنك لا تريد قراءة المشهد الأمريكي الذي لجم اية محاولة للتطبيع، بل عندما كان جيمس جيفري مسؤولا في الملف السوري هدد دول حليفة لأمريكا بفرض عقوبات إن طبعت مع النظام؟ كما مددت أمريكا قانون الطوارئ واعتبرت ما يجري في سوريا تهديد للأمن القومي الأمريكي، وقراءة مسار العلاقات العربية و الدول الصديقة للشعب السوري كبيرة وواسعة وحادة في عدائها لنظام الأسد، وعلى رأسها تركيا و قطر و السعودية، كيف لهذه الدول أن تطبع مع نظام الأسد، ولو دخلت في النكايات السياسية لن تثمر أية حالة تقارب مع النظام بل بالعكس ستؤدي لنتائج سلبية، وإن كان مرد قول هذه الجملة يعود للمفاوضات الامريكية الإيرانية فربما تكون أحد الضرائب التي ستدفعها ايران الابتعاد عن الأسد، وإن كانت الدواعي الدعوات لعودة سوريا الى الجامعة العربية فهي مرتبطة بالحل السياسي، كل الطرق ستمر ع الطاحونة؟ دون نسيان أو تجاهل قانون قيصر والقادم قيصر2.
وإن كان لدى د. بشارة معلومات يخفيها عن الشعب السوري كما قال، فلماذا تذكر هذه الأفكار المحبطة، وأنت لا تريد ذكر ما تعرف حتى تدخل اليأس الى نفوس الشعب السوري؟
سأكتفي بالحديث عما قاله الدكتور عزمي عن قضية البديل، وأسامحك فيها عدا ذلك لأنني سأعتبر ذلك ضمن حرية الرأي والمعلومات المغلوطة التي تأتيك، حول طائفية الثورة وكيف كان لها محطتين تلفزيونيتين والمقصود وصال وشذا الحرية، لأنني لن أدافع عن خطاب اعلامي سيء لكن لابد من توضيح ان السيد عدنان العرور لم يذكر كلمة واحدة سيئة عن العلويين أو الطوائف الأخرى ... بل اشترك معك او سبقك في الهجوم على المعارضة، عندما قال انه سيحاسبهم.
وانت اليوم تنسفها وتخرج عن التقاليد الإنسانية والسياسية والدبلوماسية عندما تصف المعارضة بانها هي من تستجدي الدول ليتحكموا بها ... وتدعو لمجموعة لديها كرامة وطنية لا أحد يملي عليها؟
وأسامحك في توصيف أن الفصائل لم تنتج إلا أمراء حرب ، وقادة فصائل متطرفة فلديك أدوات تحليل خاصة بك، واطمئنك ان لا ادلب ولا شرق الفرات ستكون كيانات سياسية ولو اجتمعت دول العالم على هذه الفكرة لأنها لا تحمل أدني مقومات الكيانات إنما حالة مؤقتة في إطار الصراع مع نظام متوحش.
وأخيراً الحصار يؤثر على الشعب جملة تضليلية أيضاً وانتقاد غير موفق لقانون قيصر، طبيعي أن يتأثر الشعب لأنه متأثر بكل الأحوال؟ لكنه عطب النظام وشل أحلام روسيا وإيران، وليتك وضعت المشهد الأخير في السيناريو الذي تتصوره بجملة واحدة ذكرتها في حوارك وهي: أن التغيرات لابد أن تفرض فرضاً .. ولكن لم تكمل، كيف ستفرض المتغيرات، وعلى من ومن سيفرضها، ومن سيقوم بهذه العملية الجيش أم السياسة أم كليهما معا وتلك موجودة في أوراقك، فهل تنسى ما تكتب، وعندها سنحصل على بدايات نظامي ديمقراطي ولو بحدود مقبولة.
النخب السورية تنتظر منك وأمثالك تصورات وأفكار يعيدون رسم الصورة من بين الركام لا لتمزقوا اللوحة وتحطموا إطارها، وهنا المسؤولية الأخلاقية والمعرفية لكل من ساهم في تشكيل الفيلم السوري بالأبيض والأسود، ورحم الله ابن خلدون الذي اجاد في توصيف الألون وتدرجاتها ودرجات كل لون في تأسيسه للعمران والدول، واذكّر بزياد الرحباني الذي وجد في السبعينات من القرن الماضي، أن آلات التصوير لا تستطيع التقاط الصور للنظام السوري إلا بالأبيض والأسود.
ملاحظة1: لا أقلل من شأن المجتمع السوري، بل نتلمس له الأعذار الموضوعية بعد نصف قرن من القهر والحرب والخبث والخداع، ومن حقه أن يأخذ وقته لتشكيل رؤاه ويؤسس لدولة مدنية.
ملاحظة2: التقدير لدور د. عزمي بشارة كمتعاطف مع الثورة الشعبية السورية وما نناقشه أفكار.
ملاحظة 3: المذيعة جيدة لكن أجرت حديثا تلفزيونيا، ولم تجري حوارا.
اللقطة الأخيرة: إن الجميع بحاجة لإعادة مراجعة معتقداته ومسلماته عن الثورة والأنظمة والحلول ودور المجتمع في البناء والهدم، والذاكرة السورية ليست إعلانات بل ترتيلا للتاريخ السوري.
اللقطة الأولى: لم تكتب بعد، كل ما يجري سكريبت؟