قد يكون العنوان مستغرباً عن علاقة العسكر بالديمقراطية، وتتسارع الأقلام للقول: لا ديمقراطية مع العسكر هؤلاء قوم يعرفون الخشونة والمدفع، والتجارب العسكرية تؤدي لديمقراطية الانقلابات واستعراض القوة بالدبابات واحتلال المدن والشوارع وترويع المواطنين، وتكثر أقلاماً في تدوين التجربة السورية مع العسكر، وقد صدرت كتب ومذكرات عن تجربة سيطرة العسكر على البلاد وإفساد التجارب الديمقراطية، وقبلها تحقيق رغبات المستعمر بعد رحيله عن بلادنا، وبعدها سيطرة الديكتاتور على البلاد بذراع العسكر؟ وكل هذا مشروع من حيث الاستعراض التاريخي واستمراره في الواقع، لكن يغيب عنه الأسباب الحقيقة لانحرافات العسكر؛ لذلك لا بد من محاولة تقديم اجتهاد في دور العسكر وقد طُرح على الملأ مشروعاً وطنياً لسوريا باسم "المجلس العسكري الوطني السوري".
في زاوية أخرى يسود اعتقاد راسخ لدى النخب السياسية أنه لن يتشكل مجلس عسكري إلا بتوافق دولي، منطلقين من تجارب سابقة وقراءة واقعية للأحداث وتطوراتها، مكتشفين لغزاً خافياً عن الناس، معتقدين أن القرار الدولي قطعة قماش يمكن أن يأتي بها، وهذه الاعتقادات دون قراءة التحديات القائمة، حيث جاءت طروحات المشروع بتحد واضح لجميع الذرائع الدولية المختلفة والمتناقضة، وبذات الوقت يحاكي ويشكل نقطة انطلاق يمكن أن يجتمع عندها الجميع نحو الحل، بعد اختبار كل دولة لنمط تريد تحقيقه في سوريا والفشل الذي عطب هذه الأنماط، وسقوط جميع الرهانات الجزئية و المؤقتة، وعدم قدرتها على تحقيق ولو جزءاً من أهداف كل دولة، كما رسمته لنفسها، ورسمت معه السقوف العليا.
المتابع لمنشورات أصحاب مشروع "المجلس العسكري الوطني السوري"، يلحظ تطوراً مهماً في سياقات التفكير والتأسيس، وعقلانية متقدمة خطوات، عن الطروحات السياسية، لأنها تدعوها للعمل وتطالبها بإدارة مشروع الحل الذي سيكون للمجلس العسكري دوراً محورياً في هذا الحل، ضمن أسس مهنية الجيش وحرفيته، وبات القانوني يكتب في الشأن الحقوقي وارتباطاته بتعريف العدالة و ضوابط تطبيقها، و يضع التصورات للعلاقة بين الجيش والسياسة و العلاقة مع المواطن، والتربويون يكتبون في قطاعهم، والإعلاميون وغيرهم من المهن والاختصاصات، لبلورة العلاقة بين فئات المجتمع، وبدأنا نقرأ عن ورش عمل ينظمها العسكر لاستنباط الحلول الدائمة و المستدامة للمجتمع السوري، مثل السلم الأهلي، وبناء السلام، والعدالة وغيرها من القواعد التي تؤسس لمجتمع سليم بعد الخراب الكبير الحاصل.
ليس مستغرباً أن يتحدث عن العدالة الحقوقيون، لكن يكون الأمر لافتاً أن يتحدث عنها العسكر، أو على الأقل يتبونها في معرفاتهم الرسمية، مما يعني إيمانهم بها، بينما يذهب دعاة الديمقراطية إلى طرح الأفكار المثالية التي تفتقد الى آلية تطبيق، وعدم قراءة أحوال المجتمع، والتطور الطبيعي للمجتمعات، ولا بنية المجتمع السوري التي تحتاج إلى مزيد من الأفكار والنظم المتداخلة لإتاحة الفرص التي تمكن هذا المجتمع من استعادة عافيته أولاً، ثم البناء المتدرج وفق منهجية تقر سلفاً بفقه المراحل، ومتطلبات كل مرحلة، مرحلة الاستقرار لها متطلبات واستعادة القرار له عوامل و التمثيل الشعبي له بيئة يجب أن تتحقق حتى يمتلك الإنسان السوري قراره وهي بيئة ضرورية تبدأ من حرية المأكل والمسكن حتى الحريات المدنية.
يغلب الحس النقدي، والإكثار من التخوفات، على الحس السياسي الذي يقرأ الوقائع ويأخذ منها، يغلب الرفض على المشاركة، وهي حتمية في المجتمعات وبناء الدول وتزداد الحاجة إليها في الحالة السورية.
المشاريع الكبرى لا يمكن أن تتحقق بحرق المراحل والقفز من فوق الوقائع الكبرى، وإلا ستكون فرص النجاح ضئيلة، ومعرَّضة للإخفاقات، لذلك تقوم اللجنة الأمنية ولجان التواصل ولجان التأسيس على تبادل الأفكار مع شرائح المجتمع السوري المختلفة ومع الأقطاب الدولية، لبلورة المشروع الوطني، حيث يعاد لملمة الجيش في الإطار السياسي الذي اتفقت حوله الدول العظمى و ما تزال تؤجِّل تطبيقه بذرائع ظاهرها محق و باطنها مضلل، مثل تمرير أفكار البديل و تشرذم المعارضة و التمثيل الشعبي، أو أن يتم طرح أن البدائل تكمن في إيجاد نقابات واتحاد للطلبة و العاطلين عن العمل؟؟
الحل أمام أعين الجميع لكنه غير مدرك، لأنه ما يزال قرارات في مدونات مجلس الأمن وعناوين الصحف، ومفردات الحل تبدأ وفق تسلسل زمني وعداد سباق في المسافات الطويلة للحل. هنا يضع مشروع "المجلس العسكري الوطني السوري" لبنة البناء والبدائل غامضة، أو أنها عرضة للتلاعب والتضليل، وإن وجِدت نأمل طرحها للنقاش، ومن يمتلك القدرة على بناء بيت دون أعمدة فليتفضل، لكن لا يعدنا بخيمة لاجئ، ومشروع المجلس يمضي لكن بصمت مدروس، والعاقبة لمن يعمل ولا يلعن الظلام.