المرأة السورية والمرّجحة على ناصية الحلم

خاص للموقع /سيدة سورية تعيش تفاصيل يومها "يوم عيد المرأة" في إحدى مخيمات النزوح في الشمال السوري
خاص للموقع /سيدة سورية تعيش تفاصيل يومها "يوم عيد المرأة" في إحدى مخيمات النزوح في الشمال السوري

عشر سنوات ورحى الحرب تطحنهن دون هوادة، غيبهنَّ الاستبداد وقوانينه ومرجعياته كفاعلات حقيقيات لعقود، ومسخ قضَيتهنَّ وحولها لمجرد شعارات لاروح فيها، وغيب وعيَهُنّ بذواتِهن وحقوقِهن وكينونتهنّ كإنسان كامل، قادر، منتج وصاحب مكانة، وعقل، وحيّز في هذا الفضاء الكوني، كما غيب وسحق الجنس الآخر ومثّل بالوعي الجمعي، ورسخ دونية المرأة من خلال القوانين التي لم يقبل رغم ماكان يدعيه من انفتاح وعلّمنة أن يطورها، ويعدلها لصالح المرأة وتماشيا مع حقوقها الإنسانية غير التميزية، فبقيت تلك في مكانها قبل أن تحفر الحرب بقوة تحت قدميها لتزعزع ذاك التحجر وتهوي بها في اتجاهات شتى .
كانت الرتابة هي العامل الأساسي الذي يحيط بحياة السوريات قبل انطلاق ثورتهن 2011، قليلات من انخرطّن منهن في الشأن العام قبل ذلك، كانت نخبةً مصطفاةً ساعدتها البيئة لتأخذ دورها النضالي لأجل قضيتها، فيما كثيرات كن يعتقدن أن الحديث عن حقوق المرأة و"الشطح" باتجاه مفهوم النسوية ليس إلا "فزلكات" مثقفين ومثقفات.
 لم يكن وعيهنّ يصلُ بهنّ بحكم القولبة المجتمعية العامة للإيمان المطلق بأن لهنّ حقوقاً مغتصبة تمس آدميتهن، وكينونتهن، وعليهنّ النضال لأجل تغيرها ضمن القوانين التي تحكمهنّ وتتحكم بهن ، رتابة خلقت حالة من استواء التفكير لدى شريحة واسعة من النساء السوريات قبل أن يحدث الزلزال فيجدنّ أنفسهنّ رياشاً خفيفة في مواجهة غول الحرب وتوحشها.
استباحة ممنهجة تعرضت لها السوريات وتراكم أطّره قانون تميزي ضد المرأة وحقوقها بدأً من قانون الأحوال الشخصية، مرورا بقانون العقوبات، وصولا إلى قانون القتل بدافع الشرف ، وسواها .. دعمها وكرسها موروث ديني واجتماعي، حبسها ضمن أدوار وظيفية محددة .
وفي غمرة الرتابة والتماشي حدثت الصاعقة التي لم يتخيلها السوريون نساء ورجالا حتى في أقبح كوابيسهم ، تخلخلت بنية المجتمع السوري وانهارت أعمدته أمام البطش والقتل، والتشريد، والتهجير، والتجويع، والحصارات، والاعتقال، والاغتصاب، وسوى ذلك من ممارسات وانتهاكات جسيمة، تزلزت الارض من تحت أقدام النساء كشريحة هشة وخاصة في أجواء الحرب بعد عقود من التسليم والاستكانة بالأدوار البسيطة الهامشية التي قُررت لهنّ بالقانون والعرف والعادة حتى باتت من المسلمات يحتمين بها، ويدافعن عنها مع ما تعطيه لهنُّ من هامش استقرار ظاهري .
عليك أن تكوني جميلة، ونظيفة ، وأماً تحمل وتضعُ وتربي، تتعلمين لتعلّقي شهادتك في المطبخ، لاتكشفي وجهك حتى "لا تكوني كالحلوى التي يقف عليها الذباب"، لا تحتاجين لمورد اقتصادي "فزوجك بعد أبيك مسؤول عن لقمتك وهدمتك" يقدمها حين يشاء ويمنعها حين لايشاء ، تُطلَّقين في ساعة، وإن رغبتي أنت في التطليق تغرقين لأشهر وربما سنوات في امتهان ذاتك أمام المحاكم، أذا اخترت زوجا أو حبيبا توصفين بما لايليق، وإذا زوجتِ نفسك توصفين بالمتمردة ، تُطردين من بيتك في لحظة مع أطفالك أو دونهم والشارع مآلك حين يقرر زوجك ذلك، أو تُحرمين من حضانتهم دون أن يرف للمجتمع جفن، يتزوج عليك وتُطالبين بالصمت والصبر، وعمُّ أبناء بطنك وجدّهُم يملك من أمرهم مالا تملكين، وفيما طليقك يملك كامل الحق والتغطية المجتمعية والقانونية ليتزوج في ذات اليوم تُفردين كجدي أجرب في بيت أبيكِ لأنك مطلقة، إن تزوجت رجلا من جنسية أخرى أنكرت الدولة أولادك فلا حق لهم بجنسيتك فتقييّمك في قانون دولتك مواطن درجة ثانية، وأذا شك أحد الفحول حولك بسلوك "مريب " قتلك بدافع الشرف وصفق الجميع له وتوجوه بطلا ولو أنه خرج للتو من بيت صديقته فهذا لايعنيكِ فجسدك له وجسده له وكله بالقانون .
لقد عرى الزلزال السوري بما أفرزه من كوارث سوءة ما مورس ضد النساء في الخفاء والعلن، حيث وجدت المرأة نفسها وحيدة أمام وظائف وأدوار جديدة لم تُعدّْ لها قبلا ، مئات آلاف النساء وجدن أنفسهن معيلات وحيدات في ظروف حرب كارثية لاتملكن فيها استرتيجيات مقاومة فكان العبء أعباء، والمصيبة مركبة، والضياع مآل.
نوافذ محدودة وجدت المرأة السورية نفسها وهي تعارك لأجل البقاء فمن جائعة تتسول لقمتها ولقمة صغارها، إلى مستغلة جنسيا ومغتصبة لم تجد غير لحمها ليطعمها وذئاب تعامل معها كطريدة وأداة ابتزاز لاسيما في معتقلات الأسد وهوامشه، وثالثة قاومت وصمدت وأعالت وحيدة عائلتها وقبضت على لقمتها من خلال ما استطاعت توفيره من عمل أو دعم، ورابعة وجدت الفرصة للانخراط بالشأن العام والمنظمات حيث أتيحت للبعض منهن مجالات للتعلم والتطوير والنشاط والعمل ، فيما لايزال وجود المرأة في مواقع ومناصب رسمية شحيحا وتزينيا ليس غير، ورغم قباحة الواقع إلا أن كثيرات عدّن بعد انقطاع طويل لمتابعة العلم والتحصيل واثبتن قدرةً وتفوقاً، فيما ناجيات أخريات حصلّن على فرصتهن في اثبات الذات بحصولهن على لجوء إلى بلاد تعترف..
صور ومشاهد شتى لواقع المرأة السورية نستذكرها بإيجابها وسلبها في يوم عيد المرأة العالمي لايمكن اختزالها بأسطر، يوازيها تصاعدٌ طفيف بالوعي الجمعي تجاه قضايا المرأة ومفاهيم النسوية، ولكنه يحتاج لبيئة مستقرة وقانون متحضر داعم لها، ووعاء اجتماعي واسع يستثمر في نهوضها فالمجتمعات المتحضرة تقاس بمدى وعي ومشاركة نسائها وحصولهنّ على كمٍّ أكبر من الحقوق والأدّوار.