في جلسة نقاش معمق جمعتني وعدد من المهتمين السوريين بالسياسة وتتبع الأثر فيما يتعلق بالقضية السورية، بحضور المقدم المنشق - أحمد القناطري متحدثا عن مشروع المجلس العسكري السوري الذي تحول ما بين ليلة وضحاها لمركز ثقل خبري يتعاطاه السوريون ويبنون عليه ضمن خيارات الحل المطروحة، تدفقت على القناطري أسئلة نهِمة لسبر أغوار المشروع المطروح بشكل مجزوء عبر وسائل الإعلام و"السوشال ميديا" على غير لسان صانعيه، باعتباره حاملا للحل القادم، تناولت تلك التساؤلات ماهية المجلس العسكري، ومهامه، وموقعه بالنسبة للقرار الدولي 2254، والبحث في الضبابية والمركزية التي تحيط به.
وعلى ضفاف معاناة السوريين وهواجسهم ورغبتهم بتجاوز عنق الزجاجة الخانق، لربما تكون الإجابة المشتركة بــ نعم وبشدة - عن سؤال قد يُطرح اليوم على من يدفعون فاتورة الوضع القائم، ويترقبون خلاصا من واقع التشرد والاعتقال والجوع والخوف وضياع المستقبل، هل توافق على أن يتسلم مجلس عسكري بقيادة فلان من السوريين الحكم لمرحلة مؤقتة أو انتقالية، الجواب: أوافق بشدة فالوضع القائم لم يعد يُحتمل، فإن كان الحل المطروح سينهي حقبة عائلة الأسد وزمرة مجرميه، ويخلق متغيرات واضحة ضمن الواقع السوري السياسي القائم، يمكّن السوريين من البناء عليه للوصول إلى غدهم القادم بلا الأسد، وبلا الحرب، وبلا الاستبداد، وبلا الإجرام والفوضى فلم لا يكون!؟.
التخوف الأساسي الذي تلمسه من خلال تساؤلات السوريين المرصودة حول فكرة المجلس هو الخوف من أن يُختصر نضالهم وتضحياتهم وثورتهم من أجل الوصول إلى نظام حكم سياسي ديمقراطي مدني تعددي بمجلس عسكري تصنعه تفاهمات الدول، ليراعي مصالح الفاعلين الخارجين بالشأن السوري، ويُفرض على السوريين كمفعول بهم بما له وبما عليه.
ما يؤخذ على حَمَلة مشروع المجلس أنهم يطوفون بمشروعهم دوليا دون أن يقدموه بألسِنتهم إلى أصحاب الشأن من السوريين بالشكل المطلوب، وهو ما فتح عليهم أبوابا كثيرة للتشكيك والرفض تارة، والتساؤل والرضى بأي حل يحمل أملا بالتغيير تارة أخرى، وخاصة أن أخبار المجلس وصلتهم عبر تسريبات من وسائل إعلامية روسية، أشارت لاجتماع جرى بين العميد مناف طلاس ومسؤولين روس، تلبية لدعوى وجهتها موسكو للعميد كرأس لهذا المشروع، دون أن تتم مصارحة السوريين أو حتى إخطارهم جزئيا بما يدور حول مصير بلدهم وما يطرح من أفكار.
هل يمثل المجلس العسكري بديلا عن هيئة حكم انتقالي مدني واسعة الصلاحيات وفق قرار جنيف للحل 2254 أم سيكون جزء من هيئة حكم انتقالي؟، وما هو دوره على الأرض في ظل وجود عديد من القوى العسكرية المتضادة والمتناقضة، هل سيحكم العسكريون سوريا القادمة ووفق أي صيغة؟ هل سيتمكن هذا المجلس وحده من القيام بمهام إدارة كل هذا الخراب في سوريا دون وجود هيئة حكم تكاملية حقيقية تستطيع احتواء مئات الملفات المعقدة ووضع حلول لها دون وجود السياسي صاحب مشروع الدولة المدنية والاقتصادي والقانوني والخبير وسواهم ضمن تلك الهيئة.
الصورة التي يرسمها ضيف جلستنا المقدم أحمد القناطري حول المجلس العسكري لاتشبه الصورة الذهنية التي حفرها التاريخ والجغرافيا والواقع في الذهنية العامة لأبناء سوريا حول مجالس حكم العسكر، فمشروع المجلس وفقه صناعة وطنية صرفة لا علاقة للروس أو غيرهم بتشكيلها، هو نتاج مخاض طويل ومحاولات قام بها الضباط المنشقون منذ 2013 توجت بتأسيسهم هذا التجمع العسكري السوري الذي صنعه أهله وهم 1400 عسكري منشق، وقعوا معا على وثيقة تأسيسه واختاروا العميد المنشق مناف طلاس كشخصية جامعة يمكنها أن تكون توافقية ومقبولة داخليا وخارجيا لقيادته وقيادة الحل في سوريا ضمن مرحلة زمنية "محددة".
أما غياب التواصل مع السوريين وخاصة من قبل العميد مناف طلاس وما يثار حول غيابه شبه الكامل عن الساحة الداخلية فيرجعه القناطري لكونهم لا يريدون أن يقدموا أنفسهم ومشروعهم للسوريين دون أن يحملوا لهم ما يمكن البناء عليه ، بحيث لا يكون مشروعهم فقاعة إعلامية كما الكثير من المشاريع السابقة، مؤكداً وجود اتصالات وتواصلات داخلية سورية تشمل الكيانات السياسية والعشائرية وسواها داعيا السياسيين السوريين في الوقت ذاته إلى التعجيل في تشكيل مجلسهم السياسي، ويرى مشروعهم كجزء من القرار (2254) وترجمة له ليس أكثر،ز
وبين قول وقول لاتزال أخبار تنقلات العميد مناف طلاس كممثل للمجلس العسكري تصل السوريين عبر تسريبات تارة وشائعات أخرى مابين عواصم القرار الدولي من روسيا إلى أوروبا ليصل لربما إلى الولايات المتحدة، سعيا وراء بلورة توافق دولي ممكن حول مشروعه، فهل ستحمل الأيام القادمة بوادر رؤية مكتملة، وهل تكون مكتملة حقا دون وجود هيئة سياسية أعم وأوسع تستطيع احتواء جميع المشاريع المنبثقة هنا وهناك وضبط ايقاعها معا لصالح السوريين قبل غيرهم؟.