كثيرة جدا هي المرات التي سمع فيها السوريون أخباراً عن اجتماع رسمي حضره ممثلون عنهم، وعن لقاءات ومؤتمرات وجلسات استثنائية تُقام باسمهم، ولأجل قضيتهم، وقليل جدا ماكان يكلف هؤلاء "الممثلون" أنفسهم عناء الخروج والتحدث المباشر إلى جمهورهم حول ما قيل وما يقال وما لا يقال.
عقدٌ من الزمن وحواس السوريين مُستنفَرة، تلاحق شاشات هواتفهم بحثا عن معلومات تضعهم في صلب واقعهم، وفي حقيقة مآلاته، ولكنهم دائما ما ينتهون إلى المجهول، حيث لا حقيقة معلنة لهم، لا شرحا يرسم لهم مسقط أقدامهم على أرض الواقع، فالساسة السوريون على اختلافهم لم يتعلموا فن التواصل والاتصال وقول ما يجب أن يقال لمن يهمه الأمر في الوقت اللازم، حتى كفرَ الجميعُ بالجميعْ.
اجتماعات، ولقاءات، واختصامات، ومؤتمرات، ونكبات كان ائتلاف قوى الثورة السورية وباقي مؤسسات المعارضة فاعلين فيها، ومع ذلك نادرة المرات التي خرج فيها متحدثا منهم ليخبر أصحاب الحق بما يجب أن يخبرهم به، لم يتعرف الشعب السوري طيلة سنوات الثورة الطوال عمن يقال عنه المتحدث الرسمي باسم المعارضة السورية، فليس هناك من متحدث رسمي من هؤلاء يخاطب هذا الشعب، ويضعه فيما يجب أن يعلمه، حتى اتسعت الفجوة وباتت بحجم وطن بلا حدود.
سنّةٌ استنها الأولون ممن امتطوا ظهر جواد الثورة، سنّة تجاهل نقل الحقيقة والتواصل الصحيح الصادق مع جمهور السوريين، ولسان حالهم يقول لا نراكم! لا نرى شعبا يستحق أن نضعه أمام كل صغيرة، أو كبيرة، باعتباره صاحب الحق، والسلطة، والشرعية، وبأننا بما نحن عليه لسنا سوى أدوات وظيفية لخدمته وترجمة تضحياته، نسير بهديه لنصل وإياه إلى بر الأمان.
مرض عضال انتقل من المؤسسات الرسمية السورية المعارضة السياسية والعسكرية، ومن رجالاتها والمنصات المتفرعة عنها ليتفشى كالوباء بين عموم من استطاع الجلوس في غرفة القبطان.
سنوات طوال والسوريون يمددون على مذبح الساسة مضرجين بدماء حلمهم يهرولون بحثا عن مصيرهم في تسريباتٍ، وتأويلات مبهمة، لم يكلف ساستهم أنفسهم عناء الوقوف أمامهم يحملون تاج الحقيقة، ليقولوا لهم ذاك غدكم الذي يُرسم لكم بمشاركتنا أو رغما عنا، وهذا حاضركم الذي نصنعه معكم، أو دونكم، ليبقى الشك والتشكيك والتخمينات عنوان العلاقة المتبادلة ما بين سياسيينا ونحن.