"لن يهنأ السوريون إلا برؤيته مكبلا خلف قضبان محكمة الجنايات الدولية"
عبارة لطالما رددها بعض السوريين منذ انطلاق ثورتهم وما وُجِّهَتْ به من فظائع وجرائم كبرى حتى غاص الجميع في حمام دم لم ينج منه أيٌّ منهم، معارضٌ ومشاركٌ كان في الثورة ضد الأسد ونظامه أم صامتٌ وخائف، أو مؤيدٌ ومتورطٌ في صناعة هذا الجحيم، لقد عُمّمت الجريمة في سوريا ورُعيت رسميا من قبل النظام القابض على رقاب شعبه، وعلى مؤسسات الدولة السورية ومقدرات البلاد وسلاحها، فيما كان التطلع لإنصاف الضحايا وتأكيد مبدأ عدم الإفلات من العقاب ووصول كبار المجرمين للمحاكم الدولية خياراً واقعياً ومطلوبا كما يراه المؤمنون بالقوانين الدولية ومفاعيلها، وبوصف هذا التطلع مآلاً طبيعياً وحتمياً يجب أن يعتمده المجتمع الدولي بمؤسساته الحارسة لحقوق الإنسان في العالم كما تصور نفسها.
ومع ذلك ورغم مضي عقد من الزمن لاتزال الجريمة مستمرة، والمجرم حراً طليقا يمارس ما يشاء من جرائمه بدعم وتواطئ دولي معلن أو مُعمّى، فلماذا لم يصل بشار الأسد وكبار مجرمي الحرب في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية على اعتبارها الأداة الرَّئيسيَّة الممثَّلة للعدالة الجنائيَّة الدوليَّة كما تصفها الوثائق.
كانت العبارة الأبرز في ديباجة النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية تلك التي تقول بأن "أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب" فلماذا مرت وتمر جريمةٌ بمستوى الجريمة الكبرى ضد الإنسانية التي تحدث في سوريا دون إحالات أو تدخل مباشر من محكمة الجنايات؟ لعل الإجابة الأبرز يمكن اختصارها بعبارة واحدة قبل الإضاءة على شروط تدخلها.
إجابة نلخّصها بعبارة الجريمة الكاملة مع إغلاق كل الأبواب أمام السوريين للوصول إلى العدالة، فالأسد مُختصِراً الدولة السورية بنفسه لم يصادقْ على نظام روما الأساسي أي أنه لم يعترف بالمحكمة ولم يضع الدولة السورية تحت ظلها، وهذا طبيعي فلن يساهم المجرم في عقد حبل المشنقة حول عنقه إذا أتيح له الإفلات، وبالتالي فسوريا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية وهو الشرط الأول والأساسي لكي تمارس المحكمة اختصاصها وتقوم بدورها، كان الأسد بارعاً دوماً في تصميم و"دوّكرة" مسرح جريمته المكتملة في غياب الرادع، وبقائه في الهامش الآمن للإفلات من أي استحقاق قانوني يمكن أن يعاقبه على جريمته في ظل دولة اللاقانون، ومجتمع دولي ينظر للجريمة من ثقب المصالح.
وفيما يعيق عدم كون سوريا طرفا في المحكمة قبول المدعي العام فيها بفتح ملف الجرائم التي ترده شكاوى حولها، فإن مسلك بقبول الإحالات من مجلس الأمن الدولي يمكن اعتماده لو قرر المجتمع الدولي ذلك، وهو مالم يتم حتى الآن بفعل غياب موقف دولي موحد وحقيقي.
مسلك آخر للوصول بالمجرمين إلى قاعات الجنايات عبر قبول إحالة شكوى ضد مجرمي الحرب من قبل دولة معينة شرط أن تكون الدولة التي ينتمي إلى جنسيتها المتهم أو الدولة حيث ارتكبت على أرضها الجريمة طرفًا في النظام الأساسي وهذا أيضا لم يتحقق حتى اليوم في الحالة السورية، وفي الحالة المثالية يحق لدولة ليست طرفًا في نظام روما أن تحيل شكوى ضد مرتكبي الجرائم إلى المحكمة شرط أن قبولها باختصاص المحكمة والتعاون معها وأن يكون المجرم حاملا لجنسيتها، أو تكون الجريمة قد ارتكبت على أراضيها.. فهل يمكن "للدولة السورية" مع هذا الكم من الجرائم التي حدثت وتحدث على أراضيها أن تقوم بهذا الدور نصرة للعدالة وحقوق شعبها، وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يتفق على احترام قوانينه؟