في يوم الصحافة الكُردية، لا زالت رسالة أول صحفي كُردي تنتظر التحقيق

صحيفة كردستان الصادرة عام 1898
صحيفة كردستان الصادرة عام 1898

يصادف اليوم، الثاني والعشرين من نيسان/أبريل، الذكرى السنوية الـ123 لصدور صحيفة كُردستان عام 1898، وهي أول صحيفة كُردية، أصدرها الأمير مقداد مدحت بدرخان في العاصمة المصرية القاهرة بعد هجرته من إسطنبول، عقب فشل مخطط ثورة كُردية كان مشاركاً في الإعداد لها، عرضته للسجن لبعض الوقت، وتم طبع الصحيفة في مطابع دار الهلال بالأحرف العربية واللهجة الكورمانجية، التي هي واحدة من أربع لهجات رئيسية يتحدث بها الكُرد، في دلالة واضحة على الكُردي، الذي لا يستطيع تحقيق هويته والتعبير عن نفسه، إلا بعيداً عن مسقط رأسه وأدواته الخاصة.

مثلما يتنقل الكُردي بين المنافي ولا يجد لنفسه مكاناً في وطنه، تنقلت صحيفة كُردستان التي صدرت في مصر؛ بمعدل مرتين في الشهر وبأربع صفحات وألفي نسخة في البداية، بين عدد من العواصم وساهم في إصدارها عدد من أفراد العائلة البدرخانية الموجودين هناك. فبعد صدور خمسة أعداد في القاهرة تم نقل مقرها إلى جنيف؛ للتخلص من ضغوط السلطات العثمانية الهادفة إلى إغلاقها وقتها، وصدر هناك العدد السادس حتى التاسع عشر، لتعود الصحيفة إلى مهدها في القاهرة بعد ذلك وتصدر أربعة أعداد، ثم صدر العدد الرابع والعشرين في لندن، والأعداد الخمسة التي تلته في مدينة فولكستون البريطانية، وصدر عددين بعدها في جنيف مرةً أُخرى، لتختتم الصحيفة رحلتها الطويلة التي دامت أربع سنوات في الرابع عشر من نيسان/أبريل 1902، ويعود الأمير بدرخان إلى اسطنبول، ويتابع نشاطه في خدمة شعبه ويتعرض للسجن ثانيةً، ومن ثم النفي مع ثلاثة آلاف من أفراد عائلته إلى ليبيا، ثم يُسمح له بالعودة بعد سنوات، ويبقى فيها حتى وفاته عام 1915، دون أن ينقطع عن نشاطه.

لم تكن صحيفة كُردستان أول صحيفة كُردية فحسب، بل أول صحيفة مستقلة أيضاً، غير مرتبطة بحكومات أو منظمات أو جهات حزبية، صدرت بمبادرة فردية من مثقف كُردي ومناضل شجاع، أتقن إلى جانب لغته الكُردية؛ اللغات العربية والتركية والفارسية، وعمل على توعية شعبه وتعريفه بحقوقه، وإيصال صوته إلى العالم وتعريفه بقضيته، واستمرت بالصدور رغم امكانياتها المحدودة والظروف الصعبة في المنطقة، وسجلت لنفسها حضوراً رغم أعدادها القليلة وعمرها القصير، من خلال توزيعها في مصر وعبر دمشق إلى المنطقة كلها وكذلك في البلدان الأوربية، والأثر الذي تركته.

لم يشهد خط الصحافة الكُردية البياني ارتفاعاً بعد صدور صحيفة كُردستان، بسبب منع الكُرد من التعبير عن هويتهم، وبعد رحلة طويلة متعثرة، شهدت محاولات لإصدار صحف بمبادرات فردية أو عن طريق جمعيات، منها مجلة "هاوار/الصرخة" التي أصدرها الأمير جلادت بدرخان في دمشق عام 1933، ابتلعت الصحافة الحزبية السرية بعد تأسيس الأحزاب الكُردية المشهد، وهي عبارة عن منشورات حزبية متشابهة تدور حول نفسها، ورغم الانفتاح الحالي وتوفر الإمكانيات، يكاد المرء لا يعثر على صحيفة كُردية يمكن أن تشكل مصدراً مستقلاً يعتمد عليه لنقل الأخبار، وعدا حالات محدودة تعرض أغلبها للقمع والتصفية، يكاد معظم من يعمل في الحقل الإعلامي الكُردي أن يكونوا من الأدعياء، وأن يكونوا الأكثر خوفاً من الاقتراب من مصدر المعلومة، والأكثر بعداً عن الجرأة في نقلها.

في هذا المقال الافتتاحي لموقع السوري اليوم، هذا المنبر المعبر عن التنوع وعن حرية الرأي والتعبير، والذي أعمل فيه مع كوكبة من الزملاء الصحفيات والصحفيين السوريين، أعيد نشر البطاقة التعريفية بجريدة كُردستان، والتي أرسلها مؤسسها الأمير مقداد مدحت بدرخان للقراء، مرفقة بالعدد الأول منها: "سيدي، يسعدني أن أُرسل لكم عدداً من جريدة كُردستان التي أُصدرها الآن في القاهرة، وإن قومي هم الكُرد ويبلغ عددهم ستة ملايين نسمة في آسيا الصغرى ولغتهم قديمة جداً. هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها جريدة باللغة الكُردية، وذلك من أجل نشر العلم وروح المحبة بين أبناء قومي ومن أجل حثهم على سلوك طريق التقدم والمدنية الجديدة، ومن أجل التعريف بأدبنا القومي أيضاً. والدي هو الأمير بدرخان بك الذي شارك في حرب التحرير ضد سلطة عبد المجيد؛ الذي حرَّم على عائلتنا العيش في الوطن، لذا فقد قصدت مصر، ولأني آمل ان يعم الأمن والسلام في ربوع كُردستان، قررت وأنا في الخارج ان أسخر كل ما في وسعي من أجل أي عمل يعم بالفائدة على المواطنين الكُرد، وينمي فيهم روح الفكر من خلال هذه الجريدة".