لم يَعِد الأمريكيون السوريين بتلبية مطالبهم أو الوقوف إلى جانبهم يوماً، منذ إعلان تدخلهم العسكري في سوريا قبل سبع سنوات تحت عنوان محاربة تنظيم داعش، فكل ما صدر منذ ذلك التدخل، لا بل منذ بداية الثورة في سوريا، لم يتعد كلمات جوفاء، من قبيل أن نظام الأسد فقد شرعيته وأنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، ألقاها الأمريكان على أسماع العالم كلما أحرجه شلال الدم السوري غزارةً، تلك الكلمات التي لم تردع بسبب عدم جديتها النظام، ولم توقف بالتالي القتل الممنهج للسوريين وتدمير بلادهم، حتى خلال مناسبة التصعيد الإعلامي الأقصى الوحيدة، والذي ترافق بحشود بحرية يومها، إذ كان الحصاد خلال ساعات هو نزع أحد الأسلحة مع بقاء القاتل وترسانته، حيث جرى استلام مخزونه من الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي لم يغير في عمل عدَّاد القتل والدمار المرتفع.
ضمن السياق ذاته، لم يعد الأمريكيون الكُرد السوريين كذلك بشيء، وهم الذين أمنوا للقوات الأمريكية موطئ قدم في البلاد، بعد أن استخدمت وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية؛ لتطهير معاقل تنظيم داعش التي قامت قوات التحالف الدولي بقصفها، الأمر الذي أراح التحالف من فتح جبهة برية ضد التنظيم، ومنع بالتالي وقوع خسائر بشرية في صفوفه، دفعتها عنه وحدات الحزب راضيةً مقابل تمويلها وتدريبها وتسليحها، خدمة لهدف محاربة تنظيم داعش ذاته، بحيث لم يجرِ ترجمة ما زرعته من دماء وما حصدته على الأرض من هزيمةٍ للتنظيم؛ ثماراً في المجال السياسي، إذ بقيت علاقات التحالف محصورةً مع وحدات الحزب المقاتلة ضمن هدفها المحدد، درجة التخلي عنها في غير مكان، مثلما حدث في عفرين البعيدة عن جبهة محاربة داعش.
أصبح من الواضح بأن السياسة الأمريكية في سوريا، كانت قائمة منذ البداية على مبدأ (الجمود الممدد)، الذي أعلن عنه في تصريحات إعلامية له قبل أيام؛ المبعوث الأمريكي السابق إلى شمال سوريا السفير ويليام روباك، والذي اعتبر المبدأ (استثماراً كبيراً بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن)، ويمكن وفق هذا المبدأ الموجه إلى المستقبل حسب روباك، والذي أصبح يقوم على الاكتفاء بفرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد، ولا يمانع في إجراء حليفته قوات "قسد" مفاوضات معه؛ للحفاظ على نفسها خدمةً للأجندات الأمريكية، فهم المقاربة الأمريكية للأوضاع في سوريا، والتي لم تسمح بإجراء تغييرات جوهرية على الأوضاع القائمة في سوريا، وتركت المجال لجميع الأطراف لاستنزاف بعضها البعض، خدمةً لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، حتى أصبحت سوريا على شكلها الحالي الكارثي المرعب.
لقد حققت أمريكا هدفها الرئيسي المعلن في سوريا؛ والمتمثل بهزيمة تنظيم داعش، أما قائمة الأهداف الأُخرى التي دارت في فلك هذا الهدف أو بدت هامشية بسببه، ومنها ذلك المتعلق بالعملية السياسية في سوريا وفق القرار الدولي 2254، أو الوجود العسكري الإيراني فيها، فيبدو بأنه سيتم إدخالها في نفق (الجمود الممدد)، وربطه بتطورات الملفات الأمريكية الأُخرى في المنطقة، خاصةً متطلبات العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي تبدو الإدارة الأمريكية الجديدة في عجلة من أمرها للعودة إليه، وحرق الكثير من الأوراق من أجله.