سوريا وفرنسا تطالبان لبنان بتسليم سفاح سوريا جميل الحسن

السبت, 13 ديسمبر - 2025
سفاح سوريا جميل الحسن
سفاح سوريا جميل الحسن


نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا حول سفاح بشار الأسد الهارب جميل حسن وجهود البحث عنه. وترك حسن وراءه إرثا من الموت والتعذيب عندما فر من سوريا بعد سقوط النظام في العام الماضي.
فخلال أكثر من 13 عاما على الثورة السورية، مارس نظام الأسد أعلى مستويات الوحشية في القرن الحادي والعشرين، حيث سجن مئات الآلاف وغيب عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اعتبرهم سياسيين وهدم أحياء بأكملها.
والآن وقد انهار النظام بدأ الضحايا بالبحث عن أشهر وأسوأ شخص كرس سمعته السيئة بملاحقة الناشطين وهو الجنرال جميل حسن، رئيس شعبة المخابرات الجوية، الذي ينسب إليه رسم سياسة النظام في حملة العقاب الجماعي وكسر الثورة.
وتذكر شادي هارون، أحد الناشطين الشباب الذي اعتقل بعد اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، مقابلة مع حسن في قاعدة المزة الجوية، حيث حقق معه مدة أربع ساعات. ووفقا لهارون، قال الجنرال: “سأواصل القتل لإبقاء بشار الأسد في السلطة وسأقتل نصف مواطني البلاد إن لزم الأمر”.
قال الجنرال حسن: “سأواصل القتل لإبقاء بشار الأسد في السلطة وسأقتل نصف مواطني البلاد إن لزم الأمر”
 ومع استمرار الاحتجاجات، نفذ الجنرال وعيده. وبأوامر منه، وافقت شعبة المخابرات الجوية على قصف الأحياء المدنية ولعبت دورا في الهجمات الكيميائية وعذبت وأخفت آلاف السوريين. وفي اجتماعات سرية مع الأسد وقادة آخرين، ضغط على الرئيس السوري لتبني موقف أكثر تشددا.
وفي خطاب ألقاه حسن أمام ضباط سوريين آخرين في تموز/يوليو 2011 قال: “لم يعد المشاركون في الاحتجاجات متظاهرين، بل أصبحوا إرهابيين، ويجب القضاء عليهم”، حسب شهادة شاهد جمعتها لجنة العدالة والمساءلة الدولية.
وفي وقت لاحق، أشاد حسن بمجزرة ميدان تيانانمين الصينية عام 1989، وزعم أن قتل المزيد من الناس في البداية كان سيقضي على الثورة السورية أسرع. وقال لوكالة أنباء روسية عام 2016: “لو لم تقم الدولة الصينية بتهدئة فوضى الطلاب، لكانت الصين قد سقطت”. وقال هارون، الذي يعمل في حملة العدالة في سوريا: “لقد كان شخصا مضطربا نفسيا”.
وتقول الصحيفة إن حسن الآن أحد أكثر المشتبه بهم المطلوبين في جرائم الحرب على مستوى العالم. وأدين غيابيا في فرنسا لدوره في جرائم ضد الإنسانية، وهو مطلوب بموجب مذكرة توقيف في ألمانيا، كما أنه مطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) لدوره المزعوم في اختطاف وتعذيب مواطنين أمريكيين.
ومثل العديد من مسؤولي النظام وقادة الحكومة، فر حسن من سوريا عند انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي. سافر الأسد مع زوجته إلى روسيا، بينما تفرق مسؤولون آخرون من النظام في أنحاء الشرق الأوسط. ولا يزال مكان اختباء حسن مجهولا، لكن العديد من المسؤولين السوريين والغربيين الحاليين والسابقين يشتبهون في وجوده في لبنان، حيث يعيد مسؤولو المخابرات السابقون في النظام بناء شبكة دعم.
ووفقا لمسؤول فرنسي، أرسلت فرنسا وسوريا طلبات إلى السلطات اللبنانية للمطالبة باعتقال حسن. وقال مسؤول قضائي لبناني رفيع المستوى إن حكومته لا تملك معلومات مؤكدة عن مكان وجوده.
ويعتبر البحث عن مجرمي النظام السابق مهمة صعبة، وقد سمحت الحكومة الجديدة للجنود والبيروقراطيين الصغار طلب العفو من أجل الحفاظ على استقرار البلاد. ونقلت الصحيفة عن عبد الباسط عبد اللطيف، رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية قوله: “كل سوري بمن فيهم أنا سيكون سعيدا لو اعتقل”، أي حسن.
ولد حسن في سوريا عام 1953 لعائلة علوية قرب بلدة القصير على الحدود اللبنانية. وانضم إلى الجيش وترقى في السلك العسكري في عهد الرئيس حافظ الأسد، والد بشار الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1970 وأسس نظاما ديكتاتوريا وراثيا حكم البلاد لنصف قرن.
لا يزال مكان اختباء حسن مجهولا، لكن العديد من المسؤولين السوريين والغربيين الحاليين والسابقين يشتبهون في وجوده في لبنان، حيث يعيد مسؤولو المخابرات السابقون في النظام بناء شبكة دعم
أُرسل حسن، وهو ضابط شاب، عام 1982 للمساعدة في قمع انتفاضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة غرب البلاد. وقتلت قوات الأسد عشرات الآلاف ودمرت أجزاء كبيرة من المدينة في حملة قمع شرسة. وقد صدم العالم من بشاعة المجزرة، لكن حسن اعتبرها نموذجا يحتذى به. وقال في مقابلة مع وكالة أنباء روسية عام 2016: “كان القرار في ذلك الوقت حكيما”.
وبعد وفاة حافظ الأسد، وجد حسن فرصة للعب دور جديد في ظل نظام ابنه، طبيب العيون. وكان يترأس شعبة المخابرات الجوية التي أنشأها حافظ الأسد لتحصين النظام من الانقلابات، ولعب هذا الجهاز الذي كان من بين أربعة أجهزة محورية دورا مهما في مسائل أمنية حساسة، بما في ذلك دوره في برنامج الأسلحة الكيميائية، وذلك حسب وثيقة عقوبات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية. وتولى حسن قيادة الجهاز عام 2009.
ووصف آرون لوند، الباحث في مؤسسة “سينتشري إنترناشونال“ والمحلل المخضرم للشؤون الأمنية السورية، شعبة المخابرات الجوية قائلا: “لطالما وصف بأنه جهاز الاستخبارات الأكثر نخبة أو الأكثر سرية”. وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، رأى حسن فيها تهديدا وجوديا وبخاصة بعد أن أطيح بثلاثة رؤساء دول عربية آخرين.
واجتمع حسن مع قادة الأجهزة الأمنية الأخرى في وسط دمشق للتخطيط لحملة تضليل وقمع عنيف، وتم تسجيل محضر الاجتماع في وثيقة وقعوا عليها جميعا. وقد عرض مسؤول أمني سوري سابق الوثيقة على صحيفة “وول ستريت جورنال” وأكد صحتها مسؤول آخر. وفي ذلك الوقت، كان النقاش لا يزال محتدما داخل أعلى مستويات النظام حول كيفية التعامل مع الانتفاضة. وقد فضل البعض الجمع بين القمع وإصلاحات شكلية قد تهدئ المتظاهرين. إلا أن حسن كان مع استخدام القوة الغاشمة والدموية. وكانت رسالته المؤثرة إلى الأسد، وفقا لوثائق حكومية وشاهد على مناقشاتهم، هي: افعل كما فعل والدك في حماة، واسحق الانتفاضة.
وكتبوا في الوثيقة أنه يجب محاصرة أي مكان تخرج فيه الاحتجاجات عن السيطرة. وأضافت الوثيقة أنه سيتم إرسال قناصة لإطلاق النار على الحشود مع أوامر بإخفاء مصدر إطلاق النار، وعدم قتل أكثر من 20 شخصا في المرة الواحدة لتجنب توريط الدولة بشكل واضح.
وجاء في الوثيقة: “لن يكون هناك أي تساهل تجاه أي هجوم على أسمى رمز، مهما كانت التكلفة، لأن الصمت لن يؤدي إلا إلى تشجيع خصومنا”. وتظهر وثائق أخرى أن حسن أمر قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين. وقد دفع هذا القرار سوريا نحو حرب أهلية. حمل المتظاهرون السلاح، وانضم إليهم مسلحون من المعارضة. وصعد حسن ومساعدوه من حدة العنف بالموافقة على استخدام المروحيات والطائرات لقصف المستشفيات. وعانت داريا القريبة من فرع الاستخبارات الجوية في قاعدة المزة. وقال سكان داريا إن عناصر المخابرات قاموا على مدى عامين بالتنقل من منزل إلى منزل لاعتقال الشباب في محاولة لاستئصال المتظاهرين والمتمردين.
وبالنسبة للكثير من المعتقلين فقد كان إحضارهم لشعبة المخابرات الجوية هي محطتهم الأولى والأخيرة. وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد اختفى أكثر من 160,000 شخص على يد النظام خلال الانتفاضة والحرب التي تلتها. وقال معتقلون سابقون إنهم جردوا من ملابسهم وعلقوا من السقف وتعرضوا للصعق بالكهرباء. وتكشف شهادات معتقلين بعضهم قابله أف بي آي عن دور رئيسي لجميل حسن في الاعتقالات والتعذيب في شعبة المخابرات الجوية. كما وشملت صور هربها المصور “قيصر” لأشخاص ماتوا في معتقلات الأسد على صور 352 شخصا يعتقد أنهم ماتوا في شعبة المخابرات الجوية. ويقول محققو جرائم الحرب إن عمليات القتل والانتهاكات التي ارتُكبت داخل فرع استخباراته ميزت حسن حتى عن غيره من قادة نظام الأسد.
عمليات القتل والانتهاكات التي ارتُكبت داخل فرع استخباراته ميزت حسن حتى عن غيره من قادة نظام الأسد
 وكان أف بي آي يجري تحقيقات في سلوك حسن منذ نحو عقد من الزمان. وقد تسارع التحقيق بعد احتجاز عاملة الإغاثة الأمريكية، ليلى شويكاني، وتعذيبها في سوريا، وإصدار أمر بإعدامها عام 2016. وخلص المحققون الأمريكيون إلى أن حسن وأحد مساعديه مسؤولان عن احتجاز وتعذيب عدد كبير من الأشخاص، بمن فيهم مواطنون أمريكيون وحاملو جنسية مزدوجة. اتهمت وزارة العدل لاحقا حسن بتدبير حملة تعذيب شملت جلد المعتقلين بالخراطيم وخلع أظافر أقدام الضحايا وضرب أيديهم وأقدامهم حتى عجزوا عن الوقوف وكسر أسنانهم، وحرقها بالسجائر والأحماض.
وساهمت هذه النتائج في توجيه لائحة اتهام فدرالية بحق حسن في شيكاغو بتهمة التآمر لارتكاب جرائم حرب. وأعلنت وزارة العدل الأمريكية عن هذه الاتهامات في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في حالة نادرة لتوجيه اتهامات لمسؤول عسكري أجنبي بإساءة معاملة مواطن أمريكي في الخارج.
وأدانت محكمة في باريس العام الماضي حسن واثنين من كبار مسؤولي الأمن السوريين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري والقتل، وذلك على خلفية اختطاف طالب فرنسي سوري ووالده عام 2013. وحكم على حسن وشركائه بالسجن المؤبد غيابيا.
وفي ألمانيا، رفع محاميان سوريان، برفقة تسع نساء سوريات، دعوى جنائية ضد حسن عام 2017. وفصلت الدعوى التعذيب الذي تعرض له داخل مركز احتجاز المخابرات الجوية، بما في ذلك الضرب بالخراطيم والأنابيب والأعمدة الخشبية المثبتة عليها المسامير. وأصدرت ألمانيا مذكرة توقيف بحق حسن عام 2018، وطالبت لبنان بتسليمه عام 2019 أثناء زيارته لتلقي العلاج.