بدأ ألوف النازحين الفلسطينيين العودة إلى منازلهم المهجورة والمدمرة يوم الجمعة بعد دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) حيز التنفيذ وبدء القوات الإسرائيلية الانسحاب من بعض مناطق القطاع بموجب اتفاق لإنهاء الحرب.
وتحركت حشود ضخمة من النازحين شمالا باتجاه مدينة غزة، أكبر منطقة حضرية في القطاع، والتي كانت هدفا لهجوم واسع قبل أيام فحسب في واحدة من أعنف العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب.
وفي الجنوب شق الناس طريقهم عبر خان يونس، ثاني أكبر مدن غزة والتي دمرتها القوات الإسرائيلية هذا العام. وسار معظمهم في صمت بينما أظهرت لقطات فتى جالسا على مراتب إسفنجية.
وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إن الفرق الطبية تمكنت من انتشال 100 جثة من مناطق في أنحاء قطاع غزة بعد انسحاب الجيش.
وحتى مع عودة سكان غزة إلى منازلهم، تلوح في الأفق تساؤلات حول ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحماس، وهو أكبر خطوة حتى الآن نحو إنهاء عامين من الحرب، سيؤدي إلى سلام دائم بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المؤلفة من 20 نقطة لإنهاء الحرب.
وفي حديثه إلى الصحفيين في البيت الأبيض، عبر ترامب عن ثقته في أن وقف إطلاق النار سيصمد، قائلا “سئموا جميعا من القتال” وأضاف أنه يعتقد أن هناك “توافقا” على الخطوات التالية، لكنه أقر بأنه لا يزال يتعين العمل على بعض التفاصيل.
* نتنياهو: نزع سلاح حماس ’بالطريقة السهلة… أو الصعبة’
أعلن الجيش الإسرائيلي دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهرا بالتوقيت المحلي (0900 بتوقيت جرينتش).
وتنص المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في قطاع غزة على انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق الحضرية الرئيسية في القطاع مع استمرار سيطرتها على نحو نصف أراضيه.
وقالت الشرطة الإسرائيلية أنها تجري استعدادات لزيارة ترامب يوم الاثنين، والتي قال مسؤولون إنها ستتضمن إلقاء خطاب أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وهو الأول لرئيس أمريكي منذ جورج دبليو بوش عام 2008.
وقال ترامب إنه سيزور الشرق الأوسط في الأيام المقبلة ويعتزم إلقاء خطاب أمام الكنيست في القدس. وقال إنه سيسافر أيضا إلى مصر ومن المتوقع أن يحضر قادة آخرون من أنحاء العالم. وذكر موقع أكسيوس في وقت سابق أن ترامب يخطط لعقد قمة دولية بشأن غزة أثناء وجوده في مصر.
وتدعو المرحلة التالية من خطة ترامب إلى تشكيل هيئة دولية لتلعب دورا في إدارة غزة بعد الحرب. وتنص الخطة على أن يتولى ترامب قيادتها، وتضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
ولكن في تحد محتمل لهذا الجانب من الخطة، أصدرت حماس وحركتا الجهاد الإسلامي والحركة الشعبية لتحرير فلسطين بيانا مشتركا في وقت متأخر من اليوم الجمعة رفضت فيه ما وصفته بأي “وصاية أجنبية”، مضيفة أن إدارة غزة شأن فلسطيني داخلي بحت.
لكنها أضافت أنها على استعداد “للاستفادة من مشاركة عربية ودولية في مجالات الإعمار والتعافي ودعم التنمية، بما يعزز حياة كريمة لشعبنا ويحفظ حقوقه في أرضه”.
وفي خطاب بثه التلفزيون، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن القوات الإسرائيلية ستبقى في قطاع غزة لضمان نزع السلاح منه وتجريد حماس من أسلحتها في المراحل اللاحقة من خطة ترامب “إذا تحقق ذلك بالطريقة السهلة فسيكون ذلك جيدا، وإن لم يتحقق، فسيكون ذلك بالطريقة الصعبة”.
وخلال النهار فتحت القوات الإسرائيلية طرقا مؤدية إلى المدن ليبدأ أول تدفق كبير للفلسطينيين العائدين من المخيمات المؤقتة إلى منازلهم التي غادروها.
وصادقت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق مع حركة حماس في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة. ومع بدء انسحاب القوات الإسرائيلية من المتوقع أن تفرج حماس عن الرهائن الإسرائيليين العشرين الأحياء خلال 72 ساعة، على أن تفرج إسرائيل بعد ذلك عن 250 فلسطينيا يقضون عقوبات طويلة في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى 1700 آخرين اعتقلوا في غزة خلال الحرب.
وقال ترامب إنه من المقرر أن “يعود” الرهائن يوم الاثنين.
وستقوم إسرائيل بإطلاق سراح 250 فلسطينيا يقضون أحكاما طويلة في سجونها و1700 معتقل تم أسرهم خلال الحرب. ومن المتوقع أن تتدفق مئات الشاحنات يوميا إلى غزة محملة بالمساعدات الغذائية والطبية.
وحث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي البريجادير جنرال إيفي ديفرين سكان غزة أمس الجمعة على تجنب دخول المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الإسرائيلية.
وقال “أدعو سكان غزة إلى تجنب دخول المناطق الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي. التزموا بالاتفاق حتى تضمنوا سلامتكم”.
* ضمانات بانتهاء الحرب
ابتهج الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء بعد الإعلان عن الاتفاق، وهو أكبر خطوة حتى الآن لإنهاء الحرب التي قتل فيها أكثر من 67 ألف فلسطيني ولإعادة باقي الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال هجومها المباغت في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 الذي بدأت بعده الحرب.
وقال خليل الحية رئيس حركة حماس في قطاع غزة إنه تلقى ضمانات من الولايات المتحدة ووسطاء بانتهاء الحرب.
وذكر أن الحركة تسلمت “ضمانات من الإخوة الوسطاء ومن الإدارة الأمريكية مؤكدين جميعا أن الحرب قد انتهت بشكل تام”.
ويعتقد أن 20 من الرهائن الإسرائيليين لا يزالون على قيد الحياة في قطاع غزة، في حين يعتقد أن 26 منهم قتلوا بينما لا يزال مصير اثنين مجهولا. وأشارت حماس إلى أن استعادة رفات القتلى قد يستغرق وقتا أطول من إطلاق سراح الأحياء.
* عقبات
ومن شأن تنفيذ الاتفاق بالكامل أن يقرب الجانبين أكثر من وقف الحرب مقارنة بأي محاولات سابقة.
لكن لا يزال من الممكن أن تسوء الأمور. فلم يتسن الاتفاق بعد على خطوات أخرى في خطة ترامب المكونة من 20 نقطة ومنها كيفية حكم قطاع غزة المدمر بعد انتهاء القتال، والمصير النهائي لحركة حماس التي ترفض حتى الآن مطالب إسرائيل بالتخلي عن سلاحها.
وقالت وزارة الداخلية التي تديرها حماس يوم الجمعة إنها ستنشر قوات أمنية في مناطق ينسحب منها الجيش الإسرائيلي.
وأضافت “سيبدأ منتسبو جهاز الشرطة بالانتشار في جميع المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال بمحافظات قطاع غزة كافة للقيام بواجبهم في خدمة المواطنين ومساندتهم وللمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة”.
ولم يتضح بعد ما إذا كان مسلحون من حماس سيعودون بموجب ذلك إلى شوارع القطاع بأعداد كبيرة مثلما فعلوا خلال هدنتين سابقتين، وهي خطوة ستعتبرها إسرائيل استفزازا