سوريا على أعتاب انفتاح اقتصادي مشروط… فهل يكسر الطوق؟

ميساء شيخ حسين
الأحد, 20 أبريل - 2025
الاسواق اول مؤشر على التحسن الاقتصادي
الاسواق اول مؤشر على التحسن الاقتصادي

في ظل تحولات متسارعة يشهدها الملف السوري، تبرز معطيات جديدة توحي بأن البلاد قد تدخل مرحلة من الانفتاح الاقتصادي التدريجي، بعد أكثر من عقد من العزلة الخانقة بفعل العقوبات والحرب والانهيار المؤسسي.
فالإعلان عن خطة أممية بقيمة 1.3 مليار دولار لدعم جهود التعافي الاقتصادي، بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ترافق مع إشارات واضحة من المملكة العربية السعودية باتجاه تسوية ديون دمشق لدى المؤسسات الدولية. هذه التطورات تمثل – بمجموعها – كسرًا للصمت الدولي المالي تجاه سوريا، ولو بحذر شديد.
السيناريوهات المحتملة: بين الفرص والضغوط
1. رفع جزئي مشروط للعقوبات:
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يتجهان إلى سياسة "الخطوة مقابل الخطوة"، عبر تقديم إعفاءات محددة مقابل إصلاحات تدريجية في ملفات مثل الشفافية المالية، حقوق الإنسان، وعودة اللاجئين.
2. انفتاح عربي متسارع:
السعودية، والإمارات، وربما العراق ومصر، يظهرون استعدادًا للتعامل مع دمشق اقتصاديًا، في ظل قناعة بأن استقرار سوريا ضرورة إقليمية، وأن استثمار مرحلة ما بعد الحرب فرصة إستراتيجية.
3. انضمام تدريجي للنظام المالي العالمي:
مشاركة سوريا بوفد رفيع في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد بواشنطن، لأول مرة منذ نحو 20 عامًا، يعكس بداية عودة "شرعية اقتصادية"، ولو بشكل غير رسمي.
فرص حقيقية تنتظر دمشق
• الاستفادة من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد، ما يوفر سيولة تخفف الضغط على العملة والأسواق.
• برامج تمويل تنموية عبر البنك الدولي قد تبدأ مع تسوية الديون وتقديم مشاريع جاهزة، تركز على البنية التحتية، التعليم، الصحة، وخلق فرص عمل.
• شراكات جديدة مع دول الخليج في مشاريع إعادة الإعمار وقطاعات التكنولوجيا، الزراعة والطاقة.
لكن العقبات باقية…
• العقوبات الغربية لا تزال تمثل "حزام عزل"، يمنع انسياب رؤوس الأموال الأجنبية، ويحد من القدرة على استيراد المعدات والتقنيات الحيوية.
• الانقسام داخل الإدارة الأميركية بشأن التعامل مع الحكومة السورية الجديدة يجعل القرار النهائي بشأن رفع العقوبات مؤجلاً.
• القلق الأوروبي من ملف اللاجئين وحقوق الإنسان يضع سقفًا للتعاون ما لم تتحقق "ضمانات موثوقة".
التوقعات: سوريا بين مفترق طرق
إذا نجحت دمشق في التحرك بمرونة سياسية وتقديم رسائل طمأنة فعلية للمجتمع الدولي، فقد تكون السنوات الثلاث المقبلة بداية تحول اقتصادي فعلي، مدعوم إقليميًا ومشروط دوليًا.
أما إذا استمر التشدد في الخطاب السياسي الداخلي أو تعثرت خطوات الإصلاح، فقد تتبدد هذه الفرص تدريجيًا، ليعود المشهد إلى دائرة العقوبات والجمود
سوريا أمام فرصة لا تتكرر كثيرًا: انفتاح دولي خجول، لكنه قابل للتطور، في مقابل تهيئة داخلية قد تعيد الثقة. الكرة الآن في ملعب دمشق… لكن الوقت ليس بلا سقف فعندما نقول إن "الكرة في ملعب دمشق"، فنحن نقصد أن الفرص الدولية موجودة لكنها مشروطة، وما سيحدث لاحقًا يتوقف إلى حدّ كبير على كيفية استجابة الحكومة السورية الجديدة لهذه الفرص، وتحديدًا من خلال ما يلي:
تقديم خطوات إصلاحية فعلية وشفافة
محليًا: إطلاق إصلاحات إدارية واقتصادية، ومحاربة الفساد، وتحسين بيئة الأعمال.
دوليًا: إظهار نية صادقة للتعاون مع المؤسسات الدولية، وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية والرقابة على الأموال القادمة.
2. طمأنة المجتمع الدولي
ضمانات بعدم استخدام الأموال في أغراض عسكرية أو لصالح جهات تخضع لعقوبات.
تعزيز الحريات العامة، والتدرّج في الانفتاح السياسي، حتى لو رمزيًا، كبادرة حسن نية.
4. فتح ملف اللاجئين بشكل جاد
تقديم خطة واضحة وآمنة لعودة اللاجئين، بالتعاون مع الدول المستضيفة.
الالتزام بمعايير الأمم المتحدة في ضمان العودة الطوعية والآمنة.
5. كسر الجمود مع الغرب دون الصدام معه
• إرسال رسائل مباشرة أو غير مباشرة تفيد بالاستعداد للحوار مع أوروبا والولايات المتحدة.
• عدم الاكتفاء فقط بالحلفاء التقليديين ، بل بناء توازن إقليمي – دولي ذكي.
6. تجهيز مشاريع قابلة للتمويل
تقديم حزمة مشاريع مدروسة وجاهزة للتمويل، قابلة للتنفيذ خلال عامين أو ثلاثة، في مجالات مثل:
• البنية التحتية.
• التعليم والصحة.
• الطاقة المتجددة.
• مشاريع صغيرة ومتوسطة تدعم الاقتصاد المحلي.
دمشق ليست مطالَبة اليوم بتغيير كل شيء، بل بخطوات محسوبة ومدروسة تعطي "انطباعًا قويًا بالجدية" أمام المجتمع الدولي.
الفرص موجودة، والدعم ممكن، لكن دون تغيّر نسبي في الأداء السياسي والمؤسسي، ستبقى هذه الفرص مجمدة.