تعرفنا على مصطلحات جديدة في المشوار الطويل للصراع العربي الإسرائيلي مثل: “وحدة الساحات”، و”محور المقاومة والممانعة”، و”وحدة الجبهات” لتضاف إلى قائمة طويلة من المصطلحات والشعارات التي أطلقت على مدار 75 عاما من الصراع مع دولة الاحتلال، وقد ظهر مصطلح وحدة الساحات في شهر أيار/ مايو 2021 بعد معركة “سيف القدس” التي خاضتها حركة حماس بعد أزمة الاعتداءات الصهيونية على حي الشيخ جراح، وانتهاكات المسجد الأقصى. والساحات المشار إليها تشمل قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والجولان السوري والعراق واليمن.
محور المقاومة
هناك فارق بين وحدة الساحات ومحور المقاومة لأن هذا الأخير يضم إيران عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومشروعه أعرض من الدفاع والمقاومة وتحرير فلسطين بل يشمل الدفاع عن دول المقاومة أيضا، ومن هذا المنطلق صرح أكثر من مسؤول إيراني أن أي اعتداء على لبنان هو اعتداء على إيران، وهذا المصطلح يذكرنا بمصطلح “جبهة الصمود والتصدي” الذي انطلق بعد توقيع أول اتفاقية تطبيع بين دولة عربية كانت راعية اللاءات الثلاث في الخرطوم، ودولة الاحتلال هي مصر وقرار الجامعة العربية بتجميد عضوية مصر ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس.
وفهمنا في ذلك الحين أن كل الدول العربية التي وقعت بالإجماع على تجميد عضويتها، أن أنظمة هذه الدول وزعماءها الأشاوس (جزى الله سعيهم) كانوا مقتنعين ومؤمنين أن ما فعلته مصر قسم الدول العربية وجزأها أكثر مما هي مقسمة ومجزأة، وأنه اتفاق بمثابة الخيانة للصمود والتصدي، ولكن الاتفاق على تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية كان شبه حبر على ورق، لأن دولا (سوريا، العراق، اليمن، الجزائر، ليبيا، ومنظمة التحرير الفلسطينية) قد خرجت من المجموعة التي صمتت، أو وافقت ضمنيا على اتفاق كامب ديفيد، وشكلت ما يسمى “بجبهة الصمود والتصدي” التي لم تتصد ولم تصمد طويلا. بل وصمتت أيضا بعد مرور قطار التطبيع السريع على خمس دول عربية أخرى نسجت مع دولة الاحتلال علاقات متينة من التفاهم والتبادل التجاري والمصلحي، أكثر مما نسجته مع دول عربية أخرى، وربما حتى الدفاع عنها (إسرائيل) بطريقة أو بأخرى.
طوفان الأقصى
منذ العام 1948 ورغم الحروب المتكررة التي شنتها بعض الأنظمة العربية عليها والتي بتنا نعرفها من أسمائها (السويس، والنكبة، والنكسة، والنكسة مكرر في بيروت 82)، لم تطأ قدم عربية من خارج دولة الاحتلال أرض فلسطين 48 بل الصهاينة هم الذين احتلوا أراض في لبنان، وسوريا، ومصر، وبالطبع الضفة الغربية وغزة.
وحدها عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس مع فصائل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية تمكنت من عبور جدار الفصل العنصري وأسر أكثر من 200 إسرائيلي، هذه العملية أطلقت بسرية تامة دون علم أعضاء “محور المقاومة”، أو “وحدة الساحات” وكان ذلك بالتأكيد للحفاظ على السرية وعدم الكشف عن العملية وإفشالها (فالجواسيس كثر وهذا ما تبين مؤخرا في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية التي قيل إن متعاملين مع دولة الاحتلال في مركز الضيافة في طهران ساعدوا في العملية)، وقد أكد حزب الله، وإيران أنهما، لم يكونا على علم مسبق بالعملية. ولكن هناك من تساءل عن حقيقة شعار وحدة الساحات، ومحور المقاومة، هل هو مجرد شعار ككل الشعارات التي سبقته، أم أن هناك تنسيقا عسكريا محكما وتنسيقا عملياتيا ضمن ما سمي باستراتيجية “وحدة الساحات”؟
في الواقع أن الساحات في اليمن ولبنان والضفة وغزة وحتى إيران قد شاركت في العمليات العسكرية ضد الكيان المحتل وقد أخذت منحى تصاعديا قد يؤدي إلى حرب شاملة خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب التنفيذي لحركة حماس إسماعيل هنية، لكن ليس كل الساحات شاركت في هذه المعركة.
ساحة النظام السوري
كانت الساحة السورية خلال السنوات العشر الماضية الأكثر سخونة بين الساحات الأخرى، فقد تلقى النظام السوري مئات الضربات الإسرائيلية على مطاراته وموانئه وبناه التحتية، بسبب مع إيران والوجود العسكري لها في معظم المناطق السورية، وخاصة في محيط دمشق، ودير الزور، وحلب، والشريط الحدودي بين سوريا ولبنان ووادي بردى عن طريق قوات حزب الله، والضربات التي تلقتها إيران في سوريا لا تعد ولا تحصى بما فيها اغتيالات قادة كبار كان من الصعب معرفة أماكنهم لولا وجود عملاء يسربون المعلومات كما حصل في اغتيال هنية في طهران.
وقد ساورت الشكوك قادة طهران وحزب الله بضلوع مخابرات النظام في هذه التسريبات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن علاقة النظام بحماس ظلت فاترة جدا بسبب موقفها من الثورة السورية ودعمها الربيع العربي، رغم عودة حماس إلى حضن النظام وفتح مكتبها في دمشق بطلب من طهران.
نظام دمشق لم ينخرط في عملية “طوفان الأقصى” ولم يقدم أي إسناد على المستوى العسكري ولا السياسي ولا حتى الإعلامي تعبيرا عن موقف النظام المساند لوحدة الساحات، مع أن الحلفاء (إيران وحزب الله) كانوا قد أنقذوا نظام الأسد من السقوط كما صرح أمين عام حزب الله حسن نصر الله أن “النظام كان على وشك السقوط لولا تدخله وتدخل الميليشيات الإيرانية وفيلق القدس”.
الجولان المحتل
وجاءت عملية مجدل شمس (مدينة سورية في الجولان السوري يقطنها سوريون من الطائفة الدرزية وقد تعرضت لقصف صاروخي من قبل دولة الاحتلال اتهمت فيه حزب الله وقتل وجرح فيها العشرات) التي من المفترض أن يكون النظام السوري أول المعنيين بهذه الجريمة، وأنه أيضا من المفترض أن يقف إلى صف المقاومة لتحرير الجولان المحتل على أقل تقدير لكن ردة الفعل كانت باهتة جدا، ومن يقوم اليوم بالعمليات ضد المحتل في الجولان هي قوات حزب الله.
وأضيف مباشرة إلى هذه الجريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر اللتين وضعتا الموقف الإيراني وحزب الله في موقف حرج لا بد معه من الرد على الجريمتين بمشاركة الساحات جميعا، لكن النظام السوري يبدو اليوم غير معني وأنه يريد أن يلمع نفسه بعد عودته إلى الجامعة العربية وتطبيع دول عربية معه، ومحاولة تركيا أن تعيد مياه علاقتها مع النظام إلى مجاريها ما قبل اندلاع الثورة السورية، وأيضا مع انعطافة غربية نحوه بعد أن أعادت إيطاليا لسفيرها في دمشق، ودعوة ثمان دول أخرى الاتحاد الأوروبي لفتح صفحة جديدة مع النظام السوري، تحت أعين واشنطن التي أغمضتها، وآذانها التي صمتها.
بالمختصر بشار الأسد يسعى لإعادة تصويب علاقته بالغرب عامة، والالتحاق بالنظام العالمي برعاية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا سوف يتعارض تماما مع مشاركته في معارك ضد إسرائيل التي يريد أن يخطب ودها لإرضاء أمريكا التي بيدها مفاتيح خروجه من سنوات عشر من العزلة، وإلغاء قانون عقوبات “قيصر”.