فندق "بارون" بحلب.. شاهد على تاريخ سوريا والعالم

فندق بارون بحلب
فندق بارون بحلب

من النادر أن يفتخر السوريون ببناء يقل عمره عن آلاف السنين، ومن أندر النوادر أن يفتخروا ببناء خاص، ليس قلعة ولا دار عبادة ولا معهداً علمياً ولا سوقاً ولا داراً للطبابة، ولذلك يبدو افتخار أهل حلب بفندق بارون حالة تكاد تكون فريدة من نوعها، أو وحيدة.

في عام 1907، انتشر خبر عن افتتاح سكة حديد تربط بغداد ببرلين، مروراً بحلب، وداعب الخبر أحلام الطموحين وناهزي الفرص، الذين ظنوا أن حلب ستصبح بذلك أكثر جذباً للسياح والتجار والباحثين، وحتى حجاج المواقع الدينية الكثيرة في حلب وما حولها.


وكان من بين هؤلاء، الأخوة مظلوميان، الذين فكرا ببناء فندق حديث استعداداً للنهضة التي ستشهدها حلب بعد مرور قطار بغداد برلين بها. وفي عام 1911، وعلى الجهة الغربية من نهر قويق، أتم الأخوة مظلوميان بناء فندق، سمياه فندق "بارون"، وهي كلمة تعني "السيد" باللغة الأرمنية.

وصُمم الفندق على الطراز الأوروبي، مع روح شرقية كالقناطر العربية، ما عكس شخصية مهندس الفندق، وهو شرقي أتم دراسته في باريس. وكان الفندق في البداية مؤلفا من طابقين، ويضم 31 غرفة وحمام لكل طابق، وتم بناء طابق ثالث في عام 1942 أضاف 17 غرفة مع حمام خاص بكل منها.

وتم افتتاح الفندق في حفل فني على أنغام موسيقى الفرقة العسكرية النمساوية وأنوار مصابيح "اللوكس" التي كانت الأولى من نوعها في حلب التي لم يكن وصلها التيار الكهربائي بعد.

وبحسب صفحة "التاريخ السوري المعاصر"، يوجد نقش في الحجر على طرفي مدخل الفندق، يرمز لثمرة الرمان التي تهدى إلى العروس الأرمنية من قبل رجل الدين، وفي بهو الفندق عُلق ملصق يعود لعام 1930 كُتب عليه بالفرنسية: "فندق بارون.. الفندق الوحيد من الدرجة الأولى بحلب". وظل فندق بارون لعشرات السنين، الفندق الوحيد في مدينة حلب من فئة الخمسة نجوم.

وكان افتتاح الفندق حدثاً كبيراً، لدرجة أن الشارع الذي يقع فيه صار اسمه "شارع بارون"، وهو شارع يقع في وسط حلب، وهو من أرقى وأجمل الشوارع في حلب، ويتركز فيه حتى اليوم النشاط التجاري والسياحي، وتكثر فيه المقاهي ودور السينما حتى أن البعض شبهوه بشارع "الشانزيليزيه" في باريس.

واكتسب فندق بارون أهمية وشهرة من الأحداث التاريخية التي جرت فيه، ومن الشخصيات التاريخية المهمة التي مرت به. فهذا الفندق عاصر الحربين العالميتين، وكان مقراً وممراً لقادة عسكريين من الشرق والغرب، كما خطت في أروقته أحداث سياسية هامة في سوريا.

فأول دستور سوري خُطت مسودته في هذا الفندق، تؤكد ذلك صور أرشيفية تجمع رجالات السياسة السورية في عام 1931 شاركوا في كتابة المسودة، أبرزهم سعد الله الجابري، إبراهيم هنانو، وفارس الخوري.

شخصيات عالمية زارت فندق بارون، منها الضابط الإنكليزي توماس إدوار الملقب بـ "لورانس العرب"، الذي أقام في الغرفة رقم 202، والتي رُسم على جدرانها صورته بـ "الزي العربي" من قبل الملحق العسكري الإنكليزي "كولونيل ريشارد كلارك". وكتب "لورانس" في شرفتها رسالة أرسلها لوالدته في بريطانيا، جاء فيها "أجلس الآن على شرفة هذا الفندق العظيم (بارون) وأشاهد البط والإوز يسبح في النهر". وكان ذلك عام 1914، بحسب وثائق تاريخية.

وفي عام 1916، شهدت شرفة الفندق خطاباً تاريخياً للملك فيصل بن الحسين، الذي أصبح ملك المملكة السورية العربية 1918-1920، وفي عام 1958 شهدت خطاباً لا يُنسى للرئيس جمال عبد الناصر رئيس دولة الوحدة بين سوريا ومصر 1958-1961.

ومن نزلاء الفندق "الرؤساء"كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول، والرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، والرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي، والرئيس الموريتاني مختار ولد دادا.

ومن السياسيين والعسكريين الذين نزلوا فيه الجنرال الألماني ليمان فون ساندرز، وفارس الخوري، وإبراهيم هنانو، وغيرهم كثير.

والغرفة الأشهر في الفندق لم ينزل بها ملك ولا رئيس ولا جنرال، رقمها 203 ويُطلق عليها اسم "غرفة أغاثا كريستي" نسبة للكاتبة البريطانية الأشهر التي خطت أبرز روايتين لها ("جريمة في قطار الشرق السريع" و"جريمة في بلاد الرافدين") خلال إقامتها في فندق بارون بهذه الغرفة عام 1934.

كما أقام في الفندق أول رائد فضاء في العالم، الروسي "يوري غاغارين"، وأول رائدة فضاء، الروسية "فالنتينا تيريشكوفا".

وتعرض فندق بارون لانتكاسة بعد الحكم العسكري البعثي، حيث بات ضيوفه هم رموز النظام، ومحدثي النعمة، وضيوف النظام من الدول الشيوعية والأنظمة العسكرية، ولم يعد يستقبل نجوم الفن والأدب العالميين، وتعرض لضعف الموارد مع فرض قيود على تداول العملات الصعبة، وانغلاق البلاد، وتأثر بالأزمات الاقتصادية الخانقة، والأحداث السياسية والأمنية، وبلغت الانتكاسة ذروتها بوقوعه وسط خطوط التماس والقصف العنيف عام 2012، حيث أصابت قذائف النظام الطابق العلوي، واخترقت نوافذ القاعة الشرقية، وأصيبت خزانة المقتنيات الغربية، ودمرت العديد من الهدايا القيمة التي أهداها للفندق زوار الفندق من العلماء.