الجواب هو لا. بالتأكيد، قطعاً، على وجه اليقين، وليس على الأرجح، للأسباب الموضوعية التالية:
1- تكوين المجتمع:
هناك فارق جوهري وعميق في تكوين المجتمعين الأفغاني والسوري، في أفغانستان كل الشعب من دين واحد، بغالبية ساحقة من مذهب واحد، بفهم متقارب للدين والمذهب، وأقلية علمانية قليلة التأثير، إن لم تكن معدومة التأثير. وفي سورية ينتمي السوريون إلى أديان، ومذاهب تتجاوز العشرين، بأفهام متفاوتة لكل دين ولكل مذهب من هذه الأديان والمذاهب، وفيها تيار علماني ذو حضور قوي بين النخب السورية.
في أفغانستان يمكن لحركة أو زعيم أن يطبع نسبة كبيرة من المجتمع الأفغاني بلونه، أو أن يزعم تمثيل مكون من المجتمع، وهذا محال في سورية. لم يحصل أبداً أن احتكر زعيم أو حزب أو حركة تمثيل مكون سوري بأكمله، أو بغالبيته، ومن باب أولى استحالة أن يحتكر زعيم أو حزب أو حركة تمثيل المجتمع السوري، كله، أو بغالبيته.
لا يوجد زعيم، أو حزب، للسنة في سوريا، ولا ممثل للمسيحيين فيها، بينما يتنازع تمثيل المكون الكردي، في محافظة الحسكة لوحدها، عشرات الأحزاب والقوى الكردية.
2- موقع أفغانستان الجغرافي:
تقع أفغانستان في قلب القارة الآسيوية، ليس لها منفذ على البحر، وليس فيها أنهار مفتوحة للملاحة الدولية، بيئتها جبلية شديدة الوعورة، أدت إلى أشد أنواع العزلة والانغلاق. محاصرة، لا بل مخنوقة، بين امبراطوريات وقوى عظمى هي الصين والهند وروسيا وفارس (إيران)، ولا سبيل لديها لمواجهة أطماع هذه القوى فيها إلا بالمزيد من التقوقع على الذات، والانغلاق لسد كل محاولات الاختراق الخارجية.
بالمقابل تقع سوريا في نقطة التقاء قارات العالم الثلاث الأكبر والأقدم، آسيا وأوربا وأفريقيا، فصارت ممر إجبارياً للتجارة والسياحة والغزوات والهجرات، أي للتجار والسائحين والجيوش والمهاجرين، بما يحمله ذلك من احتكاك وتواصل وتبادل وتأثر وتأثير بكل حضارات وثقافات العالم تقريباً.
تقع سورية على بحر الحضارات (البحر الأبيض المتوسط)، وعلى نهرين من أشهر الأنهار الدولية (دجلة والفرات)، هي في قارة أسيا، وتبعد عن أوربا (قبرص) ١٠٠ كلم، وعن أفريقيا (قناة السويس) ٤٢٠ كلم. ما يجعل ممكنا للسوري (في وسائل المواصلات الحديثة) أن يفطر في آسيا، ويتغدى في أوربا، ويتعشى في أفريقيا. هذا القرب، وهذا الموقع الفريد، حمل لسوريا تنوعا استثنائياً، من الثقافات، والأفكار، وتنوعاً بشريا بالغ الثراء.
3- التاريخ:
يعتد الشعب الأفغاني كثيراً بأنه هزم بريطانيا هزيمة نكراء في أوج قوتها وتمددها، ثم هزم الاتحاد السوفيتي وتسبب في انهياره، وأخيراً هزم أمريكا. هذا في العصر الحديث، وهزم في السابق امبراطوريات آسيوية لم تكن في حينها أقل سطوة وقوة من بريطانيا والاتحاد السوفيتي وأمريكا، كل في وقته. هذه الانتصارات أثرت في الشخصية الأفغانية، وجعلتها شخصية حربية، قتالية، أهم ما فيها العسكرة والتسلح والدفاع، وهزيمة الآخر، الغريب.
أما الشعب السوري فيعتد بهزيمة احتلالات أجنبية كثيرة، ويعتد بإنجازات كبيرة في مجالات الصناعة والتجارة والثقافة والعلاقات الدولية. ولم تقتصر علاقة السوريين بالمحتلين الأجانب على المعارك العسكرية، وإنما تخطتها إلى المقارعة والمنافسة في كل مجالات الحضارة والحياة. ولذلك يحتفظ السوريون بكل عناية بالآثار الرومانية والبيزنطية والتركية، ولا يجدون حرجاً في تعداد المباني والبنى التحية التي تم بناؤها أيام الانتداب الفرنسي، وفي التباهي بإتقان لغة المحتل الفرنسي الذي حاربوه بشراسة.
من الحوادث الشهيرة التي روتها أسرة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، أنه كان في مجلسه (بعد الجلاء) مجموعة ضيوف بينهم رجل غير مرتاح في جلسته، محرج، وينطوي على نفسه. فسأل عن سبب ذلك، فقيل له إنه فرنسي. فقال سلطان له : هون عليك يا بني، نحن حاربنا جيش فرنسا، ولم نحارب فرنسا.
4- ثورة الحرية:
لم تشهد أفغانستان ثورة عارمة مطالبة بالتحرر من السلطات المحلية. هم الشعب الأفغاني كان دائما التخلص من القوى الخارجية، المحتلة والمستعمرة، بينما شهدت سورية عام 2011 ثورة عظيمة للتخلص من الاستبداد المحلي، ثورة للحرية وحقوق الإنسان.
لقد وصلت الفصائل التي أسقطت نظام الاستبداد الأسدي إلى السلطة في سوريا، بفضل، وتتويجاً ل، ثورة حرية، ثورة ضد الاستبداد، وسيكون من الصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، أن يقبل ملايين السوريين أن يعودا إلى الاستبداد ثانية، بعد أن دفعوا ثمنه غالياً، غالياً جداً، خاصة وأنهم ما زالوا في ساحات التظاهر، وهم لم يتركوها أبداً.
5- تجربة إدلب:
الفصائل التي أسقطت النظام يوم 8 / 12 / 2024، تحكم إدلب من عدة سنوات، ولم يكن حكمها مثالاً للحرية وحقوق الإنسان، ولكن إدلب لم تكن تورا بورا (حكم القاعدة وطالبان)، ولا قريبة من ذلك، وكانت تبتعد (وإن ببطئ وتردد) عن نموذج تورا بورا.
هذا كان الحال في إدلب، التي فيها3 ملايين سوري، كلهم تقريبا من دين واحد ومذهب واحد وتوجهات واحدة، ومن المتوقع أن يبتعد حكم الفصائل لدمشق، عاصمة 26 مليون سوري، أكثر وأسرع عن نموذج تورا بورا، إن لم يكن بإدراك ووعي ذاتي، فبحكم الأمر الواقع، وبحكم ضغط شعبي، وثوري، ودولي وإقليمي.