بعد 61 عاماً من الاستبداد والظلم تحت حكم حافظ الأسد وابنه بشار، عاد "علم الاستقلال" أو "علم الجمهورية" ليرفرف مجدداً. هذا العلم، الذي أصبح رمزاً للثورة السورية منذ عام 2011، أعلن سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8 كانون الأول. فما هي القصة التي تكمن وراء هذا العلم، والذي يعكس آلام وطموحات الشعب السوري؟
أطلّ "علم الاستقلال" لأول مرة في عام 1928، مع ولادة أول مسودة لدستور الجمهورية السورية الأولى، في حين كانت البلاد ترزح تحت وطأة الانتداب الفرنسي. وقد جاء تركيب العلم من قبل إبراهيم هنانو، الذي يرأس لجنة الدستور في الجمعية التأسيسية، والتي انضمت برسم ملامح الجمهورية الناشئة.
في عام 1930 أقرت الجمعية التأسيسية الدستور 1930، لتكون تلك الخطوة بمثابة بداية جديدة للبلاد. وفي الأول من كانون الثاني عام 1932، ارتفع العلم لأول مرة في مدينة حلب، ليجسد آمال الشعب وطموحاته. وتكررت هذه اللحظة التاريخية في 11 حزيران من العام ذاته، حينما أُقيمت مراسم تنصيب محمد علي العابد كأول رئيس للبلاد في العاصمة دمشق.
رمزية علم الاستقلال: ألوان وثورات في تاريخ سوريا
يتألف العلم من ثلاثة أقسام متوازية: الأخضر، والأبيض، والأسود، ويتوسطه "ثلاثة نجوم حمراء ذات خمسة أشعة"، كما ورد في المادة الرابعة من دستور عام 1928. تُرمز هذه النجوم إلى ثلاث ثورات ضد الانتداب الفرنسي: ثورة الشمال بقيادة إبراهيم هنانو، والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، مع اختلاف حول النجوم الثالث الذي يُنسب إما لثورة أنطاكيا بقيادة صبحي بركات أو لثورة الساحل بقيادة الشيخ صالح العلي.
أما ألوان العلم، فهي مستلهمة من علم الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، حيث يمثل الأخضر الخلفاء الراشدين، والأبيض الدولة الأموية، والأسود الدولة العباسية. تعكس هذه الألوان تاريخاً عريقاً وتراثاً غنياً، تجسد تطلعات العرب نحو الحرية والكرامة.
نجومه الحمراء الثلاثة ترمز إلى حلب ودمشق ودير الزور، وهي المدن الاستراتيجية التي كان لها دورٌ حاسم في الثورة السورية الكبرى. ومع ضمّ سنجق اللاذقية وجبل الدروز إلى سوريا عام 1936، تغيرت دلالات هذه النجوم، حيث أصبح الأول يمثل حلب ودمشق ودير الزور، والثاني يرمز إلى جبل الدروز، والثالث يعبر عن اللاذقية.
بعد أن أُعلن استقلال سوريا رسمياً عن الانتداب الفرنسي في عام 1946، تم إنزال علم الانتداب ليُرفع علم الجمهورية السورية الأولى، المعروف بـ"علم الاستقلال"، في دمشق وحلب. واستمر هذا العلم في تمثيل الهوية الوطنية حتى عام 1958.
بعد تنازل الرئيس السوري شكري القوتلي عن الرئاسة، وأثناء إعلان الاتحاد الرسمي بين مصر وسوريا في 2 شباط 1958 برئاسة جمال عبد الناصر، اتفق البلدان على اعتماد علم موحد. أصبح العلم الجديد مكوناً من ثلاثة خطوط، الأحمر في الأعلى، والأسود في الأسفل، وبينهما خط أبيض يحمل نجمتان خضراوان، حيث تمثل إحداهما سوريا والأخرى مصر.
ظل علم الاتحاد قائماً حتى انهارت الجمهورية العربية المتحدة عام 1961. بعد هذا الانهيار، استأنفت سوريا استخدام علم الاستقلال الأخضر مع نجومه الحمراء الثلاث، واستمر هذا العلم رسمياً حتى انقلاب حزب البعث على الحكومة في 8 آذار 1963.
عودة "علم الاستقلال" كرمز للثورة السورية
ومع انطلاق الثورة السورية تم اقتراح تغيير العلم الى العلم القديم وحصلت استجابة واسعة لهذا الاقتراح، وسرعان ما تبنت المعارضة السورية هذا العلم، ليصبح رمزاً رسمياً لحركتها في سعيها نحو التغيير.
استمر "علم الاستقلال" في تجسيد آمال المعارضة السورية لمدة تقارب 14 عاماً، حيث رفعه الثوار في شتى المحافظات السورية، وكُفّن به شهداؤهم، ورفرف فوق خيم النازحين واللاجئين. وقد حظي بتبني الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ليصبح لاحقاً رمزاً رسمياً يمثل المناطق التي وقعت تحت سيطرة المعارضة في شمال البلاد.
بعد إعلان "معركة ردع العدوان" في 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب، تمكنت فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري من التوحد تحت راية الثورة السورية، ونجحت في استعادة السيطرة على حلب وحماة وحمص، متجهة نحو دمشق لإسقاط نظام الأسد.
في 8 كانون الأول، احتفل المهجّرون واللاجئون برفع علم "الاستقلال والثورة"، ورفرف العلم على السفارة السورية في موسكو، حيث لجأ الأسد الهارب.
رمزية علم الاستقلال: من التقدير إلى التهميش":
من هاجم علم المعارضة في عام 2011 لم يكن يدرك أنه العلم الذي حيّاه حافظ الأسد يوم تخرجه من الكلية الحربية في حمص عام 1955، وأيضاً في 8 آذار 1963 بعد تعيينه آمراً لسلاح الطيران، وفي عيد الجلاء 17 نيسان من نفس العام. لو كان جمهور بشار الأسد يعرف هذه الحقائق، لما استهانوا بعلم بلادهم.
في عهد حافظ الأسد، كان علم الاستقلال يظهر في الكتب والمسلسلات والتذكارات خلال احتفالات عيد الجلاء، قبل أن يُصبح الاقتراب منه جريمة تعاقب عليها القوانين بعد عام 2011.
المصدر: المؤرخ سامي مبيض
الصحافة السورية