في الذكرى 157لميلاد الصحافة السورية

في الذكرى 157لميلاد الصحافة السورية
منذ ساعة واحدة
رياض معسعس
(عن القدس العربي)
لم يسبق الصحافة السورية في النشأة في العالم العربي سوى الصحافة المصرية التي عرفت أول صحيفة أنشأها محمد علي باشا في العام 1828 باسم “الوقائع المصرية”. فأول صحيفة في سوريا صدرت في مثل هذه الأيام من العام 1865 كانت باسم ” سوريا” وهي صحيفة رسمية أصدرها الوالي العثماني في دمشق. وسبب تأخر الصحافة في سوريا عن شقيقتها في مصر هو أن مصر عرفت الصحافة عن طريق حملة نابليون بونابرت الذي أنشأ صحيفة باسم “العشرية المصرية” خلال الحملة، وخلف وراءه المطبعة التي جلبها معه التي كانت قدد حققت ثورة إعلامية كبيرة في أوروبا بعد اختراعها في العام 1453 من قبل غوتنبرغ. ثم إن مصر كانت مستقلة ذاتها عن السلطنة وتتمتع بحريات أكبر من سوريا التي كانت تحت سيطرة كاملة عثمانية. واستمرت صحيفة سورية في الصدور إلى غاية سقوط السلطنة عام 1917.
الكواكبي والشهباء… بداية مهنة المتاعب
في الواقع أن الصحافة دخلت سوريا في وقت كان جزء كبير من الشعب السوري يرزح تحت وطأة الأمية، أما الذين بدأوا العمل فيها فلم تكن لديهم الخبرة الكافية في التحرير الصحافي، وتقنيات الطبع، ووسائل التوزيع. ضف إلى ذلك أن السلطنة وجدت أن الصحافة تمثل خطرا عليها لاسيما بعد أن أنشأ المفكر عبد الرحمن الكواكبي أول صحيفة خاصة باسم “الشهباء” التي تم توقيفها سريعا لما كانت تحمله من نفس واضح يدعو لإنهاء الاستبداد، من صاحب كتاب طبائع الاستبداد الشهير.
وقد انتهى به الأمر مسموما في مصر بعد أن لجأ إليها بعد أن أوقفت الصحيفة الثانية التي أنشأها باسم “الاعتدال”.
وقد صدرت العديد من الصحف فيما بعد منها ما هو موال للسلطنة، ومنها ما هو ينفخ مبكرا ببوق القومية التي تفشت قبلا في أوروبا. فما كان من الباب العالي إلا أن يصدر فرمانات تنظيم الصحافة التي حدت من حريتها ووضعت كل مخالف لها تحت طائلة العقوبة والتوقيف. أما النص الصحافي في الفترة العثمانية فكان يغلب عليه الطابع الديني، والشعري، والمحسنات البديعية، والمزج أحيانا بكلمات تركية متداولة، ويفتقر لأصول وقواعد الكتابة الصحافية. وبالطبع صدرت صحف عديدة في لبنان في عهد المتصرفية التي كانت أداريا منفصلة عن بلاد الشام.
من قمع عثماني إلى قمع فرنسي
لم تتحرر الصحافة السورية من ربقة القمع العثماني حتى وقعت تحت سيطرة الانتداب الفرنسي، بعد مرورها بالعهد الفيصلي الذي لم يدم سوى سنتين تمتعت خلالهما بشيء من الحرية، وسقوط السلطنة أعطى نفسا جديدا من الحرية النسبية لصحافة تسعى للاستقلال، وبناء المجتمع السوري الجديد، وتنادي بالحرية، والقومية، وتحرير المرأة، ومحو الأمية، والتآخي بين الأديان، هذه المواضيع كانت مطروحة باستمرار، وأسماء الصحف تعكس اتجاهاتها التي انتشرت في معظم المدن السورية بعد أن كانت تقتصر على دمشق وحلب.
ومن أسماء هذه الصحف: “العرب” ” لسان العرب” “الوطن ” “سوريا الجديدة” “النهضة” وسواها.
بعد خديعة بريطانيا وفرنسا للشريف حسين وتطبيق اتفاقية سايكس ـ بيكو جاء دور فرنسا لاحتلال سوريا تحت مسمى الانتداب بقرار من عصبة الأمم، وغزا الجنرال غورو سوريا بعد معركة ميسلون الشهيرة واستشهاد وزير الدفاع السوري يوسف العظمة على أرض المعركة غير المتكافئة. وهذه كانت بداية القمع ليس فقط لأي معارضة سياسية أو مسلحة ولكن أيضا للكلمة الحرة، وهذا يعني التعرض لصاحبة الجلالة التي تطورت بشكل سريع وانتشرت كالنار في الهشيم للدفاع عن استقلال سوريا، وعملت السلطة الفرنسية كما كانت السلطنة سابقا على توقيف الصحف الوطنية، ومعاقبتها، وتشجيع الصحف الموالية التي كانت تدعم الوجود الفرنسي. وخاصة بعد الثورة السورية الكبرى التي اندلعت في العام 1925 بقيادة سلطان الأطرش وقصف مدينة دمشق وتدمير بعض أحيائها. وتم إصدار قانون المطبوعات الذي حد من حرية الصحافة بقوانين تضع شروطا لإصدار الصحف والانتهاكات التي تصدر عنها. ومن الصحف الصادرة في تلك الفترة: “الأنوار” “صدى سوريا” “ألف باء” “فتى الشرق” “حلب” “العاصمة” وسواها العشرات التي عانت من التضييق أو الإغلاق، أو الغرامات المالية المجحفة التي تدفعها لعدم الصدور مجددا.
الاستقلال والفترة الذهبية
بدأ عهد الاستقلال في سوريا في 17نيسان/ أبريل 1946. في الفترة الأولى، ولأول مرة قامت حكومة الاستقلال بتنظيم الصحافة ووضع قوانين للإعلام، وميثاق شرف، وحددت أحكام التجاوزات والعقوبات في حال ارتكاب جرائم نشر. وكذلك الأمر بالنسبة للإذاعة التي انطلقت في يوم الاستقلال من مبنى البريد في دمشق. خلال هذه الفترة الوجيزة من الحكم المدني (1946ـ1949) عرفت الصحافة انتشارا وازدهارا بتمتعها بهامش كبير من الحرية وتنوعت مواضيعها، وتطورت تقنياتها ونصوصها التي تخلصت من شوائب الماضي.
وصدر العديد من الصحف والمجلات الجديدة منها: “دمشق” “العلم” “الفيحاء” “الأنباء” “الرأي العام”، “المنار” ” الحضارة” “بردى”
وبرزت أيضا المجلات الحزبية كمجلة “البعث” و”الشعب”. وتعد هذه الفترة بالذهبية للصحافة السورية. قبل أن تبتلي سوريا بالانقلابات العسكرية التي بدأت مع حسني الزعيم في آذار/ مارس 1949، فألغيت عشرات الصحف، ووضعت رقابة صارمة على التي استمرت بالصدور، وعادت الصحافة السورية في العام 1954 لتستنشق شيئا من الحرية في فترة وجيزة جدا صدر خلالها عشرات الصحف التي سريعا تم إغلاقها في عهد الوحدة السورية المصرية ( شباط/ فبراير1958ـ أيلول/ سبتمبر 1961)، وبعد قيام انقلاب حزب البعث (آذار/ مارس 1963)، قرر الانقلابيون وقف إصدار الصحف ومصادرة المطابع، ولم يسمح إلا لعدد قليل من الصحف بالصدور التي كانت تدعم الانقلابيين، كصحيفة “البعث” و”الوحدة العربية” و”بردى” وفر معظم أصحاب الصحف والمجلات خارج البلاد.
الفترة السوداء
تعتبر فترة حكم حزب البعث ثم حكم عائلة الأسد من أحلك الفترات التاريخية التي مرت على سوريا في جميع المجالات وخاصة فيما يتعلق بالصحافة والنشر، ووسائل الإعلام بشكل عام (إذاعة وتلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي).
إذ أصبحت الصحف والصحافيون تحت رقابة الأفرع الأمنية التي انتشرت في كل المدن والقرى السورية، ففي ظل هذا الحكم لا مكان لحرية الرأي، ولا النقد، ولا حتى أي جملة مهما كانت بسيطة تتغنى بالحرية، واقتصرت الصحافة اليومية على ثلاث صحف “البعث” و”تشرين” و”الثورة”. وخلال ثلاثة عقود من حكم حافظ الأسد لم تصدر صحيفة واحدة غير موالية أو تتمتع بأقل درجة من الحرية. ومع الوريث بشار الأسد لم يكن الوضع أفضل بل أسوأ مما كان عليه، وازداد الوضع سوءا بعد الثورة في العام 2011 حيث بدأ النظام باغتيال الصحافيين والكتاب المطالبين بالحرية (قتل خلال هذه الفترة أكثر من 700 صحافي). وبرزت إلى الوجود الصحافة البديلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصحف خارج سوريا معارضة. أما من بقي تحت مطرقة السلطة فازداد أمره سوءا، وبقي الصمت سيد الموقف، فصاحبة الجلالة في سوريا فقدت الجلالة منذ زمن بعيد.
كاتب سوري