أصدر الكاتب العراقي أحمد سعداوي روايته الرائعة بعنوان فرانكشتاين في بغداد في العام 2013 ونالت جائزة البوكر العربية. وهذه الرواية تتلخص في أن عراقيا كان يلم أشلاء القتلى بعد الانفجارات التي كانت تودي بحياة آلاف العراقيين.
كان يأخذ كيسا ويلتقط من هنا رأسا، ومن هناك ذراعا، أو ساقا، ثم يذهب إلى البيت ويخيطها لتكون رجلا، وفي كل مرة ينقصه عضو ويسمع بانفجار يهرع ليبحث عن العضو الذي ينقصه، ويلتقط من هنا أصابع، ومن هناك قدما مبتورة، أو ما شابه ذلك، وكان هذا الرجل المصنوع من أجساد العراقيين القتلى، قد جمع كل الطوائف والأجناس، فاليد لشيعي ربما، والرأس لمسلم سني، والساق لمسيحي، والقدم لكردي، وربما الأنف لإمرأة، والفخذ لمخنث..وهذه الرمزية الرائعة في جمع كل العراقيين في جسد واحد فكرة رائعة صاغها السعداوي بكثير من الإبداع، وما ميز هذا الرجل " فرانكشتاين" أنه عندما دبت فيه الروح وعاد للحياة اتسم بقوة خارقة ( وهذا دليل على أن وحدة العراقيين تعطيهم مناعة وقوة وتبني عراقا خالٍ من القتلة والمفسدين) لأن فرانكشتاين صار يخرج ليلا ويقوم بتصفية المفسدين والقتلة حتى احتارت قوى الأمن، والجيش، والشرطة..
تخيلوا لو أن أحد السوريين جمع أشلاء السوريين ليصنع رجلا سوريا جديدا، كل عضو منه ينتمي إلى طائفة، أو عرق، هل سيخرج هذا الرجل إذا عادت إليه الروح، ودبت فيه الحياة رجلا يجمع كل السوريين، في جسد واحد ويكون قويا خارقا صادقا يقوم بتصفية القتلة، والشبيحة، والطائفيين، والمفسدين، والفاسدين، وهزازي الرؤوس، والمخبرين، ومجرمي المخابرات، وكل الحاقدين على طوائف أخرى، ويحملون أفكارا تبيح لهم قتل أخيهم وأكل لحمه، و"المستزلمين" لهم.
بالطبع نتكلم بمنطق خيالي سريالي كما فكر السعداوي، لكن هذا ما ينقصنا، أن نكون متحدين، ننفض عن أنفسنا غبار الطائفية، والعرقية، والحقد التاريخي، والارتهان للخارج، والخنوع للسلطان الذي ينصب نفسه " إلها" إلى الأبد، والمحسوبية، والنصب، والاحتيال، والاتكالية، والتوكلية، والغيبية، والقدرية وكل ما يجعل شعبا ما شعبا متخلفا، متفككا، يناطح بعضه بعضا. ينظر إلى الخلف بدل أن ينظر إلى الأمام.
يقول جبران خليل:
“"ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين ، لأمة تحسب المستبدّ بطلا ، وترى الفاتح المذلّ رحيما ً، ويلٌ لأمّة لاترفع صوتها إلا إذا مشت بجنازة ، ولا تفخر إلا بالخراب، ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع ..
ويلٌ لأمة سائسها ثعلب، و فيلسوفها مشعوذ، و فنها فن الترقيع و التقليد.
ويلٌ لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل و تودعه بالصَّفير، لتستقبل آخر بالتطبيل و التزمير. ويلُ لأمة حكماؤها خرسٌ من وقر السنين، و رجالها الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير. ويلٌ لأمة مقسمة إلى أجزاء، و كل جزءٍ يحسب نفسه فيها أمة".