الحدث الأفغاني بين العاطفة والواقعية السياسية

طالبان تحكم افغانستان
طالبان تحكم افغانستان


لدى حصول أي حدث، اعتدت أن أُحجم عن الكتابة حوله، لأسباب كثيرة، فمن الممكن أن معظم المتحدثين عنه تطرقوا لكافة جوانبه وبحثوا بها، بل قد يكونون أشبعوه بحثاً ونقاشاً، لكن ما دفعني للكتابة حول هذا الحدث بالتحديد، ليس فقط اختلاف وجهات النظر حوله، بل والتناقض الشديد في الحدث نفسه.

أتحدث هنا عما حدث في أفغانستان، ومع "حركة طالبان"، الذي يرى فيه الكثير من المراقبين نصراً مبيناً لطالبان، فيما يعتبره آخرون واقعية سياسية حصلت نتيجة تفاهمات عديدة طوال سنوات التفاوض، وثمة من ينظر إليه على انه اتفاق مبرم بين الطرفين.

ناهيك عن البعض الذي يربطه ايديولوجياً ويعتبره نصراً للإسلام على الكفر، وهناك قلة تنظر له بعين الارتياب وعين العمالة المستقبلية.

الشعب السوري تعامل مع هذا الحدث بطرق مختلفة، حيث اعتبرته الغالبية انتصاراً وتمنت أن يتحقق مثله عندنا في بلد المحن و المآسي، وبالتالي نظرته كانت عاطفية أكثر من الواقعية، البعض الأخر ربط هذا الحدث بتفاهم أمريكي أفغاني على خطوات مستقبلية كثيرة فيها تبادل للمنافع والمصالح بين الطرفين، فالطرف الأمريكي من مصلحته الخروج لكن مع ضمان مصلحته الاستراتيجية في المنطقة، وهذه المصلحة ربما تكون اقتصادية، تتمثل في الخيرات الباطنية الوفيرة التي تحتويها الأرض الأفغانية، التي كثر الحديث عنها مؤخراً، وربما تتجسد في تقوية طالبان بما يُترك لهم من سلاح، ليكونوا سداً أمام المد الصيني في المنطقة، أو لمنع الروس من العودة إلى أفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية، الأمر الذي وعد الرئيس الأمريكي شعبه به خلال حملته الانتخابية.

من ناحيتي، أرى أن خروج القوات الأمريكية بغض النظر عن أي صفقات تم إعدادها خلال مراحل التفاوض يعتبر نصراً لطالبان، ولا ننسى أنه سبق لطالبان أن حكمت أفغانستان، وكانت ولا تزال موجود بقوة على الأرض، وهي تتمتع بالنفس الطويل لأن عناصرها أبناء تلك الأرض وبالتالي لديهم القدرة على الثبات أكثر من المحتلين أو القادمين من الخارج.

إن ربط هذا الحدث بالدين وارد كذلك، لأن طالبان تتسلح بعقيدة وبيان، ولو عدنا لنشأة طالبان لعرفنا هذا جيداً، فرغم قيامهم بالتفاوض مع الوفد الأمريكي وعلى مدى السنوات الخمس الماضية إلا أنهم لم يتخلوا عن تلك العقيدة وهو الباعث والمحرض لهم بشكل دائم.

لكن،، هل هذا انتصار للإسلام على الكفر؟ وهل يصلح لأن يكون نموذجاً يحتذى به؟

قبل الإجابة على هذين السؤالين، علينا الوقوف مطولاً.. وانتظار ما ستقوم به تلك "الحركة" من خلال إدارتها لشؤون البلاد والعباد. وما إذا كانت ستستمر في منهجها العقدي وتصحح بعض المسارات، أم أنها ستطوّعه لكي يتلاءم متطلبات التعامل مع الغرب والعالم عموماً.

ويجب الانتظار أيضاً لمعرفة ما إذا كان لدى قيادة طالبان رؤى مختلفة حول إدارة البلاد، وما إذا كان هذا النصر سيفجر خلافات بينها.