تنتابني بين الفترة و الأخرى قشعريرة غريبة ، حاولت فهمها و التدقيق في أسبابها و مسبباتها فلم أعثر على شيء، قلت في نفسي لعلها حالات من التوتر تعتريني، أو أنها ضغوطات الحياة المتواصلة والتي لا تترك لنا نحن السوريون أي متسع للسعادة أو الهناء أو الفرح، وكلما شعرت بها أرجعتها لهذه الأسباب. لكن في الواقع كانت شيئاً أخر. جلست أتأمل لساعات طوال مُقلِباً في ذهني كل شيء، فوجدت أن توظيف الدين في تخدير الشعوب أكبر وبالاً على الشعوب العربية من فساد الحكام أنفسهم ، فقد اعتادت الشعوب العربية الدعاء للحكام وقد اعتبر علماء الأمة وطلاب العلم الشرعي أن الدعاء للحكام واجب على الرعية ، حيث أن الدعاء بالصلاح والهداية لهم واجب لأن في صلاحهم صلاح الرعية، واتجه لهذا غالبية علماء الأمة، (يقول الإمام الفضيل بن عياض – رحمه الله- لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان، فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وإن ظلموا، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم والمسلمين)..
و روى الخلال بسنده عن الإمام أحمد –رحمه الله تعالى -:(وإني لأدعو له –الإمام-بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، والتأييد، وأرى ذلك واجباً عليّ). كما أن هناك العديد من الأقوال في هذا الاتجاه. بالطبع هم يستندون في كل هذا على أحاديث نبوية عديدة منها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ( طاعة الإمام حق على المرء المسلم ما لم يأمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له).. وهنا يأتي الاختلاف في فهم المعاني والكلمات، فمعصية الله لا تكون فقط بمنع أركانه الإسلام أو نقض الشرع، بل هناك من الأمور الشيء الكثير تكون فيها المعصية واضحة جلية، العدل وحرية التعبير وحق الفرد في ماله و أهله وحق الدولة تجاهه. أليس فقر الشعب وكنزهم للمال من المعاصي؟ أليس منع الحريات وكتم الأفواه من المعاصي؟ أليست دور اللهو جزءً من معصية الخالق؟ أليست الرشاوي سلب للحقوق ؟ أليست تولية السفيه في أمور العباد معصية للخالق ؟ أليست المنكرات كالخمر والميسر والدعارة من المعاصي ؟ فما هو المطلوب إذاً للوقوف في وجه الحاكم؟ قد يقول قائل أن هذه كلها أمور شرعية يحاسبَ عليها الحكام أمام الله،لا بأس ...لكن دور الجميع الدعوة ...فهل إذا دعونا لإنهاء هذه الأمور أصبحنا خارجين عن الحاكم؟ لنتخطاها.... أليس من واجب الحاكم العدل بين الناس، فأين هذا العدل في ظل حكم يعتمد على العصبية الطائفية وأين موقف الحكم من منتقديه؟ ألم تنتقد امرأة خليفة المسلمين؟ من هم أمام الخليفة عمر؟ كل هذه الأمور أدعى لأن تقوم مائة ثورة في وجه حاكم ظالم، أرعن، طاغية...