في إحدى الأساطير القديمة عن سبب الزلازل في الأرض، قيل إن الأرض ترتكز على قرني ثور وكلما حرك الثور قرنيه أثار الزلازل فيها. اليوم الشرق الأوسط بأكمله على قرني ثور، والثور إذا حرك قرنيه سيحدث زلزالا وتقلبات ونتائج ربما جلبت مآسي وانعكاسات لا يمكن التنبؤ بمدى خطورتها. الزلزال ربما يبدأ في إيران لكن ارتداداته ستشمل الشرق الأوسط، وربما تعداه إلى العالم بأكمله.
مراقبو استشعار الهزات يرون الإرهاصات الأولى بأمر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث بنشر طائرات حربية إضافية لتعزيز الأصول البحرية للبنتاغون في الشرق الأوسط، وقد أكد مسؤولون أمريكيون إرسال 6 قاذفات من(بي 2) الخفية والمجهزة لحمل أكبر القنابل وزنا (جي.بي.يو ـ 57 التي تزن 30 ألف رطل) وأسلحة نووية إلى القاعدة الأمريكية البريطانية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهي مسافة قريبة بما يكفي للعمل في الشرق الأوسط. وقال شون بارنيل المتحدث باسم البنتاغون في البيان «في حال هددت إيران أو وكلاؤها الأفراد والمصالح الأمريكية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات حاسمة للدفاع عن شعبنا». ومن المعروف أن أول ما يلفت انتباه كل زائر لطهران هو قراءة عبارتين كبيرتين في المطار: «مرك بر أمريكا»، «مرك بر إسرائيل» أي الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل. لكن أمريكا ومعها إسرائيل تبحثان عن موت النظام الإيراني، بل ومحو إيران عن الخارطة.
ففي تهديد جديد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران بالقصف إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن برنامجها النووي. ذكرت صحيفة ديلي إكسبريس نقلا عن مصدر مقرب من ترامب قوله: « إن إيران قد تواجه خطر الزوال بحلول أيلول/ سبتمبر المقبل إن لم تمتثل لمطالب واشنطن وتوقف سعيها لامتلاك سلاح نووي، وتواصل واشنطن إرسال حاملات الطائرات والسفن الحربية إلى الشرق الأوسط إذ ستنضم حاملة الطائرات «كارل فينسون» إلى حاملة الطائرات «هاري إس. ترومان» وهذا الحشد من القوة يزيد من الضغط والتوتر رغم دعوات للتهدئة والتفاوض المباشر بين البلدين للوصول إلى تسوية ربما تكون مرضية لغرور ترامب، ولكن إذا لم يتم ذلك سيدخل الشرق الأوسط في مرحلة أول هزة لقرن الثور. المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي رد مباشرة على الهزة المحتملة بالقول: « إن الولايات المتحدة ستتلقى ضربة قوية إذا نفذ ترامب تهديداته»، وقال القائد في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده: «إن القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ستكون أهدافا مباشرة، ومن بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة»، وحذّرت إيران من أنها ستستهدف قاعدة دييغو غارسيا الأمريكية ـ البريطانية إذا شنّت الولايات المتحدة هجوما على أراضيها. روسيا من جانبها اعتبرت أن التهديد بشن ضربات عسكرية على حليفتها إيران غير مقبول، وحذرت من أن مهاجمة إيران قد تكون لها عواقب كارثية على العالم أجمع حال قصفت البنية التحتية النووية للجمهورية الإسلامية، وقال نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف لمجلة (لايف) إن روسيا نددت بالتهديدات الأمريكية. وتابع قائلا إن أي هجوم على إيران قد يشعل صراعا مفتوحا أوسع نطاقا في الشرق الأوسط. وواقع الأمر أن هذه الحرب التي تتحضر لها أمريكا هي حرب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالوكالة التي حاول في كل مناسبة جر واشنطن وتوريطها بالضربة القاصمة للمشروع النووي الإيراني. وعلى جانب آخر يجرها أكثر نحو مشروع لا يقل خطورة في الأراضي الفلسطينية.
تستمر دولة الاحتلال مجازرها في غزة واحتلال أراضيها وتنوي إعادة احتلالها، ورفعت إدارة ترامب كل حظر على الأسلحة والذخائر إليها، في الوقت الذي صرح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث في هجمة صهيوـ أمريكية على المسجد الأقصى بقوله: «لقد زرت المدينة القديمة في القدس، والحائط ويمكنك أن ترى المعجزات في كل مكان، لقد كان العام 1917 معجزة (ويقصد وعد بلفور) وكان العام 1948 معجزة (ويقصد حرب النكبة) وكان العام 1967 معجزة (ويقصد حرب النكسة) وكان العام 1917 معجزة (ويقصد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة) ولا يوجد أي سبب أن لا يكون هناك معجزة أخرى في إعادة بناء الهيكل، وأنا أعرف أنه يمكن أن يحدث» (ويقصد بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى) وكان هيغسيث قد اقتحم المسجد الأقصى قبل نحو خمس سنوات برفقة مدير «الإدارة الدولية لمعهد الهيكل» الحاخام حاييم ريشمان، وعبر حينها عن استيائه السماح للمسلمين بأداء صلواتهم داخل المسجد، ومنع اليهود من ذلك. ونسي أن عملية طوفان الأقصى جاءت بالأصل بسبب الانتهاكات المتكررة للمسجد، ومن هنا جاءت التسمية لعملية حركة حماس. وقد أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى «بوجوب الجهاد المسلّح ضد الاحتلال الإسرائيلي»، مشدداً على ضرورة التدخل العسكري الفوري للدول الإسلامية دعماً للمقاومة الفلسطينية، وإلغاء كافة أشكال التطبيع مع تل أبيب». وهذه الدعوة لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى واستمرار دولة الاحتلال بجرائمها في غزة ستحدث الهزة الثانية للقرن الثاني للثور.
ستأتي الهزة الثالثة جراء الاعتداءات المتكررة لدولة الاحتلال على المواقع السورية العسكرية، والتوغل في أراضيها وتصميم تركيا على بناء قاعدة لها تنشر فيها مضادات جوية تمنع دولة الاحتلال من انتهاك الأجواء السورية، إذ قالت أربعة مصادر إن تركيا تفقدت ثلاث قواعد جوية على الأقل في سوريا قد تنشر قواتها فيها كجزء من اتفاق دفاع مشترك مزمع مع الإدارة السورية الجديدة قبل أن تقصف إسرائيل المواقع بضربات جوية، كما تخطط تركيا لنشر منظومة الدفاع الجوي «حصار» متوسطة المدى، محلية الصنع، بالتوازي مع محادثاتها المستمرة مع موسكو حول إمكانية نشر منظومة «إس إس 400».
ويشير هذا القصف إلى احتمال نشوب صراع بين تركيا ودولة الاحتلال، أكبر قوتين في الشرق الأوسط. وقد وصفت وزارة الخارجية التركية إسرائيل بأنها «أكبر تهديد للأمن الإقليمي، ولا نرغب في أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا لأن سوريا ملك السوريين»، وكانت تركيا قد وجهت انتقادات حادة لإسرائيل بسبب هجماتها المستمرة على غزة أيضا منذ عام 2023، وقالت إنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتقدمت بطلب للانضمام إلى دعوى مرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية وأوقفت جميع أشكال التجارة معها. في المقابل تسعى دولة الاحتلال للهيمنة على سوريا واستمرار هجماتها على كل محاولة لبناء جيش قوى يحمي سوريا. كل هذه الهزات المتداخلة، والمتشابكة لقرني الثور إذا حدثت ستكون لها انعكاسات خطيرة وعميقة على كل دول الشرق الأوسط، ولن تسلم منها دولة واحدة لأنها جميعا ستكون مستهدفة مباشرة إما من إيران، أو من دولة الاحتلال، والمواجهة المباشرة بين هاتين الدولتين بتدخل أمريكي سيجعل العالم على حافة حرب عالمية ثالثة بدأها ترامب بحرب تجارية عالمية برفع التعريفات الجمركية وربما تنتقل إلى حروب عسكرية لا تحمد عقباها.
كاتب سوري