السوريون أرمن القرن.. والعالم أعمى

صورة تعبيرية (انترنت )
صورة تعبيرية (انترنت )

بُحت حناجر السوريين من كثرة النداء ولا مجيب، فالعالم اكتفى على ما يبدو بالنحيب.

ففي الوقت الذي أرقب فيه استرجاع المجتمع الدولي لمجازر من التاريخ، ليلوم فاعليها الذين فروا وقتها بفعلتهم، استذكر مقولة جدي التي تقول: "دعها وعندما يحين وقتُها، يا بكون مات الديب، يا بكونوا فنيوا الغنمات"، يبدو أن جدي كان قد استشف القاعدة الأصولية لآلية التعاطي الدولية مع جرائم ضدّ الإنسانية، آليةٌ تمنح المجرم صكّ فرار من العقاب، وتجعل الضحية آيسة من القصاص، وتفضح ادعاء المجتمع الدولي محاربة الإجرام والإرهاب، ولعل الأصح انتقائيته لتلك المحاربة.

ما عاد خفياً تسيس المنظومة الدولية بشكلها الحالي لعصارة ما توصل إليه المجتمع البشري من اتفاقات و بروتوكلات، تدافع عن حقوق الإنسان، حيث أن المنظومة وبحسب الملحوظ تكتفي بجمع الوثائق والملفات، وإصدار الاحصاءات والإحاطات، ثم عند اتخاذ الخطوات لردع أي من الجرائم، تعطل الآليات، آليات لا تعمل إلا إذا توافقت و سياسات "الدول الخمس" التي يقول لسان حالها للمجتمع البشري "أنا ربكم الأعلى".

في هذه الأيام تعود إلى الذاكرة مجازر ارتكبت قبل مئة عام بحق الشعب الأرمني، مجازر أدمت القلوب، لكنّ عظام مرتكبيها بحسب التعبير السوري باتت "مكاحل"، ليتسائل البعض بلسان المنطق ما جدوى عقاب أجيال جديدة بجريرة أجيال مضت، فرّ مجرموها وقتها من العقاب؟!! ليأتي الجواب: إنّ أول الغايات الضغط على دول من قبل دول، لتمرير ملفات سياسية تختلف معها بها، وهي التي تشاركها نفسُها بملفات أخريات. وأما ثانيها فهو اجترار عداواتٍ من التاريخ للحاضر، حاضرٌ يأنُّ بما فيه من جرائم مستمرة حتى إعداد هذا المقال.

وإنني وإذ تجرفني التساؤلات عن سبب تعاطل المجتمع الدولي المتسربل بثوب الإنسانية، والمطالب بالقصاص من مجرمين ماتوا وفرّوا بجرائمهم من هذا الوجود، عن محاسبة مجرم حرب كبشار الأسد مازال في الوجود، وما زالت جرائمه مستمرة، بل وباتت الدلائل عليها أكثر من أن تحصى (ليس آخرها تقرير منظمة السلاح الكيماوي).

تجرفني الإجابات لما أسلفت من دوافع للحراك الدولي الأعمى في مقاضاة المجرمين واستذكر مقولة تقول " أن السياسة لا دين لها ولا إنسانية لها".

وبينما يعلوا صوت السوريين أننا لا نريد أن نكون أرمن هذا القرن والكل شاهد على مجزرتنا، ولا نريد أن يفِرّ سفاحُنا من العقاب، وتعاقب بجريرة جرمه أجيالٌ قادمة. أقول للإنسانيين في هذا الوجود أن لا بدّ من ثورة تصحح العور الإنساني الحالي، وأقول لهم ولكل السوريين عليكم بمقولة جدي الثانية: "ماحكّ جلدك مثل ظفرك".