الجلاء المزعوم: احتلال بتكتيك مختلف

استعراض عسكري في عيد الجلاء السوري عام 1946 (إنترنت)
استعراض عسكري في عيد الجلاء السوري عام 1946 (إنترنت)

كثيرة هي الأكاذيب التي عاش في فلكها المواطن العربي عموماً خلال العقود الماضية وعاشها المواطن السوري على وجه الخصوص، لعل أبرزها أكذوبة الاستقلال التي غلفتها الأنظمة العربية بأعياد وطنية وهمية حملت اسم عيد الجلاء.

الشواهد على هذه النظرية أكثر من أن يحصرها مقال واحد، لكن المتأمل للمشهد السياسي العربي يدرك تماماً أن التخلص من استعمار مباشر فرضته دول كبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا على دول المشرق العربي خلال منتصف القرن الماضي، انكشف عن احتلال بلون جديد، لون فرضه التطور التكنولوجي والمعلوماتي والاقتصادي العالمي.

فالولايات المتحدة وريثة بريطانيا تفرض نفوذها على الكثير من دول المنطقة، وفرنسا وسياستها الفرنكفونية تلقي بظلالها على دول المغرب العربي حتى بتَّ ترى رئيس الجزائر يخاطب شعبه باالفرنسية، والحال كذلك في ليبيا والنفوذ الإيطالي على مائها، ناهيك عن روسيا التي تحاول استعادة إرثها السوفياتي، والصين التي فرضت نفسها على النظام العالمي من خلال منظومة الخمسة زائد واحد، وتحاول إيجاد موضع قدم لها في الشرق الأوسط.

عشرات من الكتب سطرت عن الدور المخابراتي الأمريكي في مسلسلات الانقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة، والتي صيرت المواطن العربي تحت نير أنظمة استبدادية تبعية، حاربت كل نظام وطني وكل مظهر من مظاهر الاستقلال الاقتصادي والسياسي. والربيع العربي كان أحد تلك المظاهر، وما ذكرناه في مطلع المقال يبين سبب خذلان النظام العالمي لثورات الربيع، والانقلاب على ما نجح منها بثورات مضادة أغلبها اجتر الحكم العسكري من جديد.

إن مشهد إلباس الاحتلال ثوب عيد الجلاء تجلى مؤخراً في قاعدة حميميم الروسية بسوريا، هناك حيث احتفل الروس بعيد الجلاء الفرنسي عن التراب السوري، وكأن الاحتلال الروسي القادم هو المخلص للبلد، لا الكاشف عن صك ملكيتها الجديد، صك تقاسمته العديد من الدول، على رأسهم روسيا.

نظام الأسد لا يختلف عن أنظمة الاستبداد العربية التي شرعنتها المنظومة العالمية، فهو نظام انقلابي عسكري وظيفي راعى حدود اسرائيل وألبس تلك المراعاة لبوس المقاومة، وفيما شرعنت المنظومة العالمية وجود هذا النظام على صدر السوريين لعقود وبررت له أكذوبة المقاومة المدعاة، تعود للذاكرة رسالة الأسد الجد للفرنسيين وهو يناشدهم إبقاء الاحتلال، ورسالة الأسد الأب ببيع الجولان ورسالة الأسد الابن ببيع البلد. ويبقى السؤال هل ستتحقق ذات يوم مقولة تقول إذا الشعب يوماً أراد الحياة؟