سد تشرين... بين هدير المعارك وحسابات السياسة: قراءة في الاشتباك الأخير وتداعياته الإقليمية

السوري اليوم
الأربعاء, 21 مايو - 2025
سد تشرين الاستراتيجي
سد تشرين الاستراتيجي

عاد التوتر إلى محيط سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي، مع تجدد الاشتباكات بين وحدات من الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في تطور يعكس هشاشة التفاهمات الأمنية في المنطقة وتضارب الأجندات السياسية الإقليمية والدولية.

وفقاً لمصادر عسكرية في "الفرقة 72" التابعة للجيش السوري، فإن عناصر من "قسد" حاولوا التسلل إلى نقاط عسكرية بالقرب من تلة سيريتل، ما أدى إلى اشتباك استمر لساعات قبل أن تتمكن قوات الجيش من صد الهجوم واستعادة نقطتين فقدتهما مؤقتاً. وقد تم الدفع بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة لضمان استقرار الوضع ومنع تكرار الخروقات.

في المقابل، لم تصدر "قسد" أو وسائل إعلامها أي تأكيد أو نفي للحدث، واكتفت مصادرها بالتشديد على أن السد تم تسليمه للإدارة المدنية، وأن الهدوء ما زال سائداً في المنطقة، في إشارة إلى تمسكها برواية انتهاء العمليات العسكرية هناك.

غير أن مصادر محلية ومراقبين ميدانيين يرون أن الحادثة، وإن بدت محدودة من الناحية العسكرية، تعكس توتراً سياسياً متصاعداً بين دمشق و"قسد"، خصوصاً في ظل تعثر محادثات الطرفين، وارتفاع سقف مطالب الإدارة الذاتية، التي تصطدم برفض حكومي واضح لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي.

وفيما تلقي دمشق بثقلها العسكري في محيط السد، تؤكد مصادر قريبة من القرار العسكري أن التحرك الأخير ليس مقدمة لعملية واسعة، بل هو بمثابة "ضغط محسوب" يهدف إلى إعادة "قسد" إلى طاولة التفاوض ضمن شروط الدولة السورية.


من جانب آخر، تلعب أنقرة دوراً غير مباشر في تأجيج التوتر، وهو ما ظهر في تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي اعتبر أن "قسد لم تلتزم بالاتفاقات"، ولوّح بخيار التدخل المباشر مجدداً، مؤكداً أن "حزب العمال الكردستاني سيُستبعد من الحسابات السورية، سلماً أو حرباً".

هذا التصعيد التركي يأتي في وقت تتجنّب فيه كل من واشنطن وباريس الانجرار إلى أي مواجهة مفتوحة، وتواصلان جهوداً خلف الكواليس لمنع التصعيد، مع التركيز على حماية التفاهمات الأمنية والحد من نفوذ إيران وروسيا في الشمال الشرقي.

إلى ذلك، يستمر نشاط تنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي، حيث شنّ مؤخراً هجمات استهدفت مواقع لـ"قسد" في بلدة البحرة، بالتزامن مع تفجير سيارة مفخخة يُعتقد أن التنظيم يقف خلفها قرب مقر أمني في الميادين. وتُظهر هذه الهجمات أن التنظيم يسعى لاستغلال أي فراغ أمني أو تصدع في التفاهمات بين الأطراف المختلفة.

وتشير معلومات ميدانية إلى أن "داعش" لا يمتلك القدرة على استعادة نفوذ ميداني واسع، لكنه يعتمد على خلايا نائمة وعمليات نوعية لزعزعة الاستقرار وإبقاء نفسه فاعلاً في المعادلة الأمنية.

في المحصلة، يظهر الاشتباك في سد تشرين كواجهة لحرب إرادات تتداخل فيها الحسابات السورية والإقليمية والدولية. وبينما تتريّث دمشق في إطلاق أي عملية واسعة، تبدو مصممة على اختبار حدود القوة السياسية والعسكرية لـ"قسد"، في وقت تصر فيه الأخيرة على تثبيت مكاسبها عبر حماية أميركية وفرنسية مشروطة. وبين هذا وذاك، يبقى المواطن في الشمال الشرقي هو الخاسر الأكبر في لعبة التجاذبات.

الوسوم :