ضربة ثلاثية": عندما تسدد الهويات في سلة الوطن

ميساء شيخ حسين
الثلاثاء, 6 مايو - 2025
ضربة ثلاثية : صورة للفنان مصطفى يعقوب
ضربة ثلاثية : صورة للفنان مصطفى يعقوب

قراءة في عمل فني للفنان مصطفى يعقوب

في توقيت لا يخلو من دلالة، نشر الفنان مصطفى يعقوب عملاً بصريًا بعنوان "ضربة ثلاثية"، يصوّر كرة سلة تحمل رموزًا ثلاثية إثنية ودينية وهي في طريقها إلى سلةٍ مزيّنة بألوان علم الثورة السورية. المشهد قد يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه محمّل بدلالات معقدة تلتقي عند تقاطع الفن والسياسة والهوية والمصير.

جاء نشر العمل بعد ساعات من تداول مقطع فيديو للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني وهما يلعبان كرة السلة في لقطة إعلامية يُراد لها أن تعكس خفة الظل أو الانسجام السياسي. لكن صورة يعقوب لا تضحك؛ بل تطرح سؤالاً مرًّا: من يسدد حقًا في سلة الوطن؟ وهل ما يُسجّل أمام الكاميرات يوازي ما ينتظر أن يُنجز في عمق الواقع السوري الممزق؟

رمزية العناصر: عندما تصبح الكرة وطنًا

في هذا العمل، تتحوّل كرة السلة إلى استعارة مكثفة للوطن السوري. الكرة بيضاء، محايدة، لكنها مرسومة عليها ثلاثة رموز:

• العلم الكردي في الأعلى (الشمس الصفراء على خلفية حمراء وبيضاء)، رمز لواحدة من أبرز القوميات السورية المهمشة تاريخيًا.

• نجمة خماسية ملونة في الأسفل، ترمز إلى التعدد الديني والعرقي، وقد تُمثّل الطيف السرياني، الأشوري، الإيزيدي، أو حتى الدروز أو الطوائف الصغيرة التي تلوّنت بها سوريا.

• وفي الوسط، شعار مستدير يحمل خارطة سوريا وكتابة كردية تقول: "Bela Merî Naciseb": "من دون وطن لا كرامة"، كأن الفنان يضع الهوية والانتماء في مركز الصورة.

وهكذا تتحول الكرة من أداة رياضية إلى حقل صراع بين الاعتراف والإنكار، بين المشاركة والإقصاء.

السلة: ألوان الثورة كمستقبل مرجو

السلة التي تهبط إليها الكرة ملوّنة بألوان علم الثورة السورية (أخضر، أبيض، أسود)، وتتدلى منها ثلاث نجوم حمراء. السلة هنا لم تعد هدفًا رياضيًا، بل تمثيلًا رمزيًا لما يمكن أن يكون سوريا الجديدة: وطنًا يتسع للجميع، ويُبنى على أساس العدالة والشراكة لا الغلبة والإلغاء.

لكن إدخال هذه الكرة في السلة ليس فعلاً بسيطًا، بل يحتاج إلى "ضربة ثلاثية" – في كرة السلة، هذا مصطلح يدل على تسديدة طويلة من خارج المنطقة، صعبة التنفيذ، لكنها تسجّل أعلى النقاط. المعنى واضح: تحقيق شراكة حقيقية بين هذه المكونات يتطلب جهدًا استثنائيًا وتجاوزًا للمألوف السياسي.

بين اللعب السياسي ولعبة الفن: مفارقة الصورة والفيديو

في اللحظة ذاتها التي يحاول فيها النظام السوري تقديم نفسه في ثوب عصري خفيف الظل، من خلال فيديوهات الرئيس ووزرائه وهم يلعبون، يقدّم يعقوب "لعبة أكثر جدية": لا تسلية، بل مواجهة صامتة مع سؤال الوحدة والهوية.

• إذا كانت السلطة "تلعب"، فالفنان "يحلل".

• وإذا كانت الدولة ترفع شعارات التناغم، فإن العمل الفني يعرض الحقيقة المركبة والوعرة: لا تناغم بلا تمثيل، ولا تمثيل بلا اعتراف.

الرسالة الأعمق: الوطن كملعب مشترك، لا كساحة مغلقة

الفن هنا ليس زينة بصرية، بل أداة مقاومة رمزية. مصطفى يعقوب لا يضعنا أمام لوحة، بل أمام مرآة مجازية لسوريا الممكنة. كرة واحدة، بثلاث هويات، تسدد في سلة وطنية. ليس سهلًا أن تحدث هذه الضربة، لكنها ممكنة. والممكن هو ما يجعل الفن أداة أمل، لا مجرد تشخيص لليأس.

في "ضربة ثلاثية"، لا نرى فقط صورة، بل مشروعًا رمزيًا لسوريا – سوريا التي يتساوى فيها الجميع أمام السلة، والتي لا تُسجَّل فيها النقاط إلا حين تدخل كل الهويات في اللعبة.

ربما كانت هذه التسديدة أصعب من أي مباراة سياسية، لكنها الضربة الوحيدة التي تستحق أن تُصفَّق لها.