كشفت تحقيقات صحفية، أجراها موقع هولندي محلي عن تفاصيل صادمة حول شبكة تجسس سورية تعمل في هولندا، تتخذ من فيلا فاخرة في منطقة "De Kwekerij" السكنية بـ "Maarssen-Dorp" مقراً لعملياتها. وقد أظهرت هذه التحقيقات أن هذه الشبكة كانت وراء مقتل الناشط السوري مازن الحمادة، الذي سبق وأن كشف للعالم عن صنوف التعذيب التي تعرض لها في سجون النظام.
ووفقاً للتحقيقات، فإن الجاسوس المدعو "ماجد أ."، الذي تظاهر باللجوء إلى هولندا عام 2014، كان يدير متجراً للأثاث في مدينة أيندهوفن كواجهة لأنشطته المخابراتية. وقد حصل ماجد على حوالي 800 ألف يورو خلال ثلاث سنوات مقابل خدماته للمخابرات السورية، تم تحويلها عبر أربع شركات هولندية بين عامي 2019 و2021.
كما كشفت الوثائق المسربة عن تورط محمد السموري، الملحق بما يسمى "مافيا السفارة"، الذي عمل سابقاً كرئيس للمخابرات في لندن قبل انتقاله إلى "بعثة الاتحاد الأوروبي" السورية في بروكسل، في تسهيل عملية استدراج الحمادة عبر إصدار جواز سفر بهوية مزورة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر عقد سري بين ماجد ووسيط، مقطعاً باللغة الإنجليزية، يشير إلى "العثور على الضحايا" مقابل 7000 يورو، دون احتساب ضريبة القيمة المضافة.
كان مازن الحمادة ناشطاً حقوقياً سورياً من مدينة دير الزور، انخرط في المظاهرات المناهضة لنظام بشار الأسد منذ بداية أحداث الربيع العربي عام 2011. تعرض للاعتقال والتعذيب في سجون النظام، قبل أن يتمكن من اللجوء إلى هولندا، كما كان مازن من بين أوائل المنخرطين في الثورة السورية عام 2011، مما قاده إلى معتقلات الأسد حيث واجه فصولاً مروعة من العذاب.
ووفقاً لموقع "درج" فالحمادة لم يكن لاجئاً سورياً عادياً، بل كان من بين القلة الذين تجرأوا على الحديث علناً عن التعذيب الذي تعرضوا له في سجون الأسد. وقد قدم شهادات علنية أمام سياسيين ومنظمات حقوقية في واشنطن وجنيف ولندن.
وعقب خروجه من السجن، عمل الحمادة على توثيق الجرائم التي ارتكبها النظام، وقدم شهادات مؤثرة حول الانتهاكات التي شهدها وتعرض لها، وسلط الضوء على الفظائع المرتكبة في مراكز الاعتقال السورية.
وفي تطور مأساوي، عاد الحمادة إلى سوريا في 23 فبراير 2020، حيث تم اعتقاله مرة أخرى من قبل أجهزة المخابرات، ليختفي قسرياً حتى عُثر على جثته في سجن صيدنايا في 9 ديسمبر 2024.
أدلت لمياء الحمادة، شقيقة الضحية، بتصريحات مؤثرة حول كيفية استخدام العملاء تهديد شقيقات مازن بالاعتقال لإجباره على العودة. وقالت: "قالوا إن شقيقاته سيتم اعتقالهن، وكان مازن يعرف ما يفعله النظام بالنساء".
أما جود، ابنة شقيق مازن، فقد روت تفاصيل الرحلة المأساوية التي قادت عمها إلى معتقلات النظام، وكيف استدرج من الملجأ الآمن في هولندا ليواجه مصيره القاسي في الوطن.
وفي حديث للجزيرة مباشر، كشف فوزي، شقيق مازن الحمادة، عن أن أخيه كان يعاني من اكتئاب حاد بسبب تجاهل المجتمع الدولي لقضية المعتقلين، وقال “اتصل بي مازن قبل نزوله إلى سوريا، وأخبرني أن هناك وعودا بإطلاق سراح إخوته وابن أخته وصهره. حذرته من العودة، لكن النظام نجح في استدراجه”.
من جهته، تساءل الباحث في المركز الهولندي لتوثيق الحرب، أوغور أنغور، “ما الذي جعل مازناً، وهو رمز من رموز المقاومة ضد الأسد، يذهب إلى سوريا، البلد الذي أوصله إلى الموت تعذيباً؟”.