نشرت "واشنطن بوست" الأميركية تفاصيل جديدة لما قالت إنها خطة إسرائيل المفصلة لتفخيخ أجهزة اتصالات حزب الله اللبناني لقتل أو تشويه الآلاف من عناصره.
وقالت الصحيفة إنها جمعت روايتها من مراسليها في القدس وتل أبيب وبيروت وعمان وواشنطن، الذين أجروا مقابلات مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين وعرب وأميركيين وسياسيين ودبلوماسيين اطلعوا على الأحداث، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لحساسية المعلومات.
بدأت أجزاء من خطة تفجيرات أجهزة النداء "البيجر" تصبح منظمة تنظيما جيدا بطريقة تجعل النجاح مرجحا، قبل أكثر من عام من هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث كان وقت هدوء نسبي على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وكان الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي المسؤول عن مكافحة التهديدات الخارجية، قد عمل لسنوات لاختراق حزب الله بالمراقبة الإلكترونية والمخبرين. وبمرور الوقت، أصبح قادة حزب الله قلقين بشأن تعرض التنظيم للمراقبة والقرصنة الإسرائيلية، خوفا من أن تتحول حتى الهواتف المحمولة العادية إلى أجهزة تنصت وتتبع تسيطر عليها تل أبيب.
وبدأ حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مضادة للاختراق لنقل الرسائل، وعلم الموساد بذلك، وتوصل إلى حيلة من شأنها أن تقود حزب الله إلى شراء أجهزة تبدو مثالية للعمل.
كان الموساد قد بدأ منذ عام 2015، بإدخال الجزء الأول من الخطة، وهو أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان. احتوت هذه الأجهزة المحمولة ثنائية الاتجاه على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرة مخفية ونظام إرسال أتاح لإسرائيل الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله منذ ذلك العام.
وقال المسؤولون إن الإسرائيليين اكتفوا طوال 9 سنوات بالتنصت على حزب الله، بينما احتفظوا بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكي إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة ومنتج جديد جذاب: جهاز الاستدعاء "بيجر" صغير مجهز بمتفجرات قوية.
وكان قادة حزب الله يعتقدون أن أجهزة البيجر لا يمكن أن تنشأ في إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف إسرائيلي آخر. لذلك، في عام 2023، بدأت الجماعة في تلقي عروض البيع بالجملة لأجهزة استدعاء أبولو ذات العلامات التجارية التايوانية، وهي علامة تجارية وخط إنتاج معترف بهما مع توزيع عالمي ولا توجد روابط واضحة للمصالح الإسرائيلية أو اليهودية. وقال مسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.
وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق يثق به حزب الله وله صلات بأبولو. وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية التي أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة الاستدعاء التي تحمل علامة أبولو التجارية. في وقت ما من عام 2023، عرضت المرأة على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي باعتها شركتها: بيجر إيه آر 924 (AR924) الموثوق.
وقال مسؤول إسرائيلي اطلع على تفاصيل العملية "كانت هي التي اتصلت بحزب الله، وشرحت لهم لماذا كان جهاز النداء ذو البطارية الأكبر أفضل من الطراز الأصلي". وكانت إحدى الميزات الرئيسية لـ(AR924) أنه "يمكن شحنه بكيبل، والبطاريات تدوم لفترة أطول".
وهذا البيجر: إيه آر 924 (AR924) كان ضخما بعض الشيء ولكنه خشن، تم بناؤه للبقاء في ظروف ساحة المعركة، ويتميز بتصميم تايواني مقاوم للماء وبطارية كبيرة الحجم يمكن أن تعمل لعدة أشهر دون شحن. والأفضل من ذلك كله، أنه لم يكن هناك خطر من أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية يمكن أن تتعقبه. لقد أعجب قادة حزب الله لدرجة أنهم اشتروا 5 آلاف منه وبدؤوا في تسليمها للمقاتلين من المستوى المتوسط وأفراد الدعم في فبراير/شباط الماضي.
ولم يخطر على بال أي من المستخدمين أنهم كانوا يرتدون قنبلة إسرائيلية مصنوعة ببراعة. وحتى بعد انفجار آلاف الأجهزة في لبنان وسوريا، لم يدرك سوى القليل الميزة الأكثر شرا لهذا الجهاز: إجراء إلغاء التشفير لا يتم إلا بخطوتين، الأمر الذي يضمن أن معظم المستخدمين سيحملون جهاز النداء باليدين الاثنتين عند تفجيره.
وكما اتضح، استعانت الشركة المصنعة بمصادر خارجية للإنتاج الفعلي للأجهزة ولم تكن مسؤولة التسويق على علم بذلك ولم تكن على علم بأن هذه الأجهزة تم تجميعها فعليا في إسرائيل تحت إشراف الموساد، على حد قول المسؤولين. وتضمنت هذه الأجهزة، التي يقل وزن كل منها عن 3 أونصات (حوالي 100 غرام)، ميزة فريدة: حزمة بطارية أخفت كمية ضئيلة من مادة متفجرة قوية، وفقا للمسؤولين المطلعين على الخطة.
وقال مسؤولون إنه وفي إنجاز هندسي، تم إخفاء مكون القنبلة بعناية بحيث لا يمكن اكتشافه تقريبا، حتى لو تم تفكيك الجهاز. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض هذه الأجهزة وربما قام بفحصها بالأشعة السينية
ومن الأشياء المهمة أن قدرة الموساد على الوصول عن بعد إلى هذه الأجهزة كانت غير مرئية. وكذلك، ولضمان أكبر قدر من الضرر، صمم الموساد هذه الأجهزة على أن يحدث الانفجار فيها من خطوتين عندما يريد المستخدم رؤية الرسائل الآمنة القادمة التي تم تشفيرها. مع أنه كان بإمكان الموساد الاكتفاء بإشارة إلكترونية منه تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة في وقت واحد.
وأوضح مسؤول إسرائيلي "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة المشفرة"، وفي الممارسة العملية، هذا يعني استخدام كلتا اليدين، الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهما بجروح لن تكون قادرا بعدها على القتال. وهذا ما حدث بالضبط لآلاف المقاتلين من حزب الله.
ووفقا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين وشرق أوسطيين، فقد قُتل أو شُوّه ما يصل إلى 3 آلاف من قادة وعناصر حزب الله -معظمهم من شخصيات الصفوف الخلفية- إلى جانب عدد غير معروف من المدنيين، عندما أطلق الموساد إشارته عن بعد في 17 سبتمبر/أيلول الماضي.
وقالت واشنطن بوست إنها وكعملية من عمليات التجسس، فليس لهذه العملية مثيل، وهي أحد أكثر الاختراقات نجاحا وابتكارا من قبل جهاز استخبارات في التاريخ الحديث.
وأشارت إلى أن هذه العملية لم تدمر صفوف قيادة حزب الله فحسب، بل شجعت إسرائيل أيضا على استهداف وقتل زعيم حزب الله، حسن نصر الله، مما زاد من خطر نشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط.
لكن في إسرائيل، تقول الصحيفة، أقنعت الضربة القادة السياسيين في البلاد بأنه يمكن وضع حزب الله على شفا الانهيار، وتعريضه للتفكيك المنهجي باستخدام الضربات الجوية، وفي النهاية، الغزو البري.
ومع ذلك، بينما يتعجب بعض المسؤولين من نجاح الخطة، لا يزال بعض المسؤولين قلقين بشأن العواقب الأوسع، في صراع لا يزال يتصاعد.
وقد لخص مسؤول سياسي إسرائيلي، في إشارة إلى هذه الخطة، المخاوف في سخرية في اجتماع مع مسؤولي الموساد، قائلا "لا يمكننا اتخاذ قرار إستراتيجي مثل التصعيد في لبنان مع الاعتماد على لعبة".